القرية البحرينية: فارق التوقيت الصعب

2011-05-16 - 9:03 ص



مرآة البحرين (خاص):

الساعة الثامنة والنصف مساءً. الصمت يطبق على أزقة القرية الصغيرة. هدوء قاتل كما لو أن الساعة هي الواحدة بعد منتصف الليل. لكنها الثامنة والنصف فقط.

منذ دخول قوات درع الجزيرة تغيرت المواقيت في حسابات الناس. القرية الصغيرة التي كنت تراها مزدانة بالحركة والضجيج، مجاورة لأكبر المجمعات التجارية صارت تلوذ بصمت أشبه بصمت المقابر. لا ضجيج أو صوت إلا ضجيج وصوت أبوات العسكر. وأيضاً الدبابات والمدرعات العتية التي تذرع ساحاتها المطلة على مجمع الدانة. كانت تعرف بالحيوية !

وحين نتحدث عن الحيوية نعني بها حركة الناس في الشوراع  سابقاً. البرادات الصغيرة التي ينتهي عملها عند الساعة الثانية عشر صباحاً. صوت مقريء القرآن المنساب عبر مكبرات الصوت. أصوات أبواق السيارات. شباب في مقتبل العمر يجلسون في شارع القرية. يتناولون أطراف الحديث حول أنديتهم المفضلة أو فوز فريقهم، وكثيراً ما علا صوت الجدال. امرأة خمسينية تقف عند الخباز. وأخرى تدخل دكان الخضار. أطفال منتصف الظهيرة.

بقي مشهد أخير: فحين يستأذن أحد هؤلاء صاحبه للنوم، يبادره بالقول: تصبح على خير. سيلتيقان على الأرجح مرة أخرى عند الصباح الباكر !
المشهد القروي اختلف عما كان عليه سابقاً. فأهل القرية أنفسهم لا يجتمعون إلا في أوقات الصلاة في المساجد التي هي الأخرى لا يتجاوز وقتها المسموح لاستقبال المصلين أكثر من ساعة خوفاً من مداهمة المرتزقة لها وتكسير محتوياتها. لا أطفال في الشوارع. لا شباب يتسكعون على نواصيها. وإذا وجدت ثمة قصة يتحدثون بشأنها، إذا صدف أن اجتمعوا في مكان بعيد أن أعين العسس ورجال المهمات القذرة، فلن تكون غير "آخر الأخبار". وآخر الأخبار منذ بدء الزمن السعودي في البحرين، هي: اعتقالات.

هذا كان سيناريو قرى البحرين قبل فرض قانون السلامة الوطنية. هل قلت السلامة الوطنية؟ إنه اللفظ المخفف لكلمة "طواريء" و"أحكام عرفية". ومنذ أن بوغت المعتصمون في دوار اللؤلؤة، تغير الحال. صار هناك سيناريو جديد. سيناريو كريه، عنصري فج. حواجز التفتيش البلهاء التي تفتش في ضمائر الناس. يستباحون على الهوية. هناك من يُضرب ضرباً مبرحاً على أيدي رجال غلاظ انتزع منهم أي أثر للإنسانية. هناك من يُعتقل وتُلفق له التهم. وهناك من تُسرق أمواله وبعض أشيائه الخاصة التي تبدأ بحافظات النقود مروراً حتى بالهاتف المحمول.

لم ينته وصف الأجواء الخانقة لسكان القرى بعد. فبعض البيوت بدت مهجورة من ساكنيها. قرر البعض منهم ترك قريته الخالية من الأمان واللجوء إلى قرية أخرى، إما خوفاً من مداهمة قوات الشغب للبيوت فجراً أو خوفاً من الاختناق أو الاحتراق  في سديم القنابل المسيلة للدموع أو القنابل الصوتية التي يلقيها عناصر الأمن كل ليلة.

أحد الشباب وصف إلى "مرآة البحرين" مشهد قمع قوات الأمن المزعومة إلى أسلوب التكبير من أسطح المنازل الذي اتخذه الناس وسيلة لهم للتعبير الاحتجاجي السلمي في 8 و 10 من مساء كل يوم. يقول (ح .أ) إنه كان على يقف على سطح منزله بمعية أخيه انتظاراً للوقت المخصص للتكبير. "لمحت من على مسافة عدداً من خوذات قوات مكافحة الشغب تتمركز على سطح أحد المنازل". يضيف "حين دقت ساعة الهتاف راحوا يكبرون بمعية الجموع التي تكبر".

لم يمر وقت طويل حتى داهموا بيوت القرية التي كانت تنطلق منها التكبيرات بعد أن أنجزوا عملية الرصد كاملة. وتابع "إلى جوار بيتنا مباشرة شاهدناهم يقتحمون 3 منازل من بيوت الجيران فيما اضطررنا نحن إلى التخفي كي لا نواجه المصير نفسه". لاحقاً، يقول الشاب "عرفنا أنهم هددوا صاحبة المنزل وهي عجوز مسنة بأنهم سيقومون بقتلها في حال وشت بأنهم يتخذون من منزلها برجا للمراقبة". سيمر وقت طويل قبل أن تعود القرية الصغيرة إلى سيرتها القديمة: ضجيج وحركة ونقاشات شبابها في الأزقة حول أنديتهم المفضلة. لكن قبل ذلك، سيكون عليها أن تستكمل منظومة الحقوق المدنية لبنيها وبناتها. تنتزعها من فم التنين.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus