لعنة صقر تلاحق السلطة

2011-05-16 - 4:13 م


مرآة البحرين (خاص): لم يعرف من جلس خلف شاشة الكومبيوتر في وزارة الداخلية في التاسع من إبريل/ نيسان  2011 وهو يدوّن على تويتر الوزارة خبر "وفاة متهم بمركز التوقيف بعد إحداثه للفوضى ومقاومة رجال الأمن" أنه لا يكتب سوى نهاية مصداقية الرواية الرسمية للحكومة البحرينية أمام وسائل الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان والرأي العام الدولي، ربما لأنهم اعتادوا على تصديق أكاذيبهم منذ عقودٍ مضت، طوال الخضّات الأمنية التي مرّ بها هذا الأرخبيل الذي لم يتوقف عن توليد انفجارات أكبر مع تقادم المشكلات.

لم تكن وزارة الداخلية بوزيرها المهزوم على الأرض أمام ثوّار اللؤلؤة السلميون، على علم بأن هذا البيان سيكون أولى قطرات غيث الفضائح التي ستتوالى دون تقدير لمآلات الأمور، وهكذا حصل.

ادّعت وزارة الداخلية أن المتوفّى ، قام بإحداث فوضى بمركز التوقيف ما اضطر رجال الأمن إلى التدخّل لإعادة الوضع إلى طبيعته وعلى إثر ذلك تم نقله إلى المستشفى لإسعافه حيث وافته المنية بالمستشفى.
في اليوم التالي للحدث (10 إبريل 2011) قام الناشط الحقوقي نبيل رجب بنشر صور الشهيد ممدداً على المغتسل، مستخدماً مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.

كانت آثار التعذيب أكثر من أن تخفيها عدسات الكاميرات، وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام هذه الصور وقامت بنشرها على شاشات التلفزة والمواقع الإخبارية المختلفة، ما أثار سخط وزارة الداخلية حيث أصدرت بياناً أعلنت فيه أنها قامت بإحالة نبيل رجب للقضاء العسكري لنشره صورا لمتوفى متلاعب بها وجاء في البيان "صرح الوكيل المساعد للشئون القانونية بوزارة الداخلية بأن المدعو نبيل رجب قد قام بنشر صور مخالفة للواقع على موقعه للتواصل الاجتماعي "تويتر" للمدعو ( علي عيسى صقر) والذي توفى يوم أمس الموافق 9 إبريل/ نيسان 2011 مشيراً إلى أن الصور المنشورة تختلف عن تلك المأخوذة للمتوفى بمعرفة الطبيب الشرعي عقب الوفاة" وعلى إثر ذلك علّق الناشط نبيل رجب أن الصور نشرتها وكالات ومواقع إعلامية وصحفية كأسوشيتد برس، وأن هذه الإحالة غير قانونية وتهدف إلى ممارسة التهديد والضغط المتواصل على نشاط رجب الحقوقي، فيما الصحف الرسمية استتبعت حملة وزارة الداخلية بحملة إعلامية قام بتتويجها تلفزيون البحرين الذي تمت عسكرته سابقاً إثر مجيء نجل وزير الداخلية السابق الذي تولى قمع انتفاضة التسعينات فواز بن محمد للوزارة.
لم تهدأ قضية صقر، حيث أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش في (13 إبريل/ نيسان 2011) بياناً جاء فيه "اطلعت هيومن رايتس ووتش على جثمان صقر ورأت بقعاً مزّرقة على الجانب الأيسر من الرأس، وتبينت اسوداد أطراف القدمين، ووجود سحجات على الذراعين والساقين، وما يبدو أنها آثار للجلد بالسياط على ظهره كاملاً".

بقيت الرواية الرسمية عن الشهيد صقر المتهم بدهس شرطي بتاريخ 13 مارس/ آذار 2011 هي التي يعتمدها النظام، رغم انتشار تلك الصور واعتمادها من قبل الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان فيما كان النظام يهدف ويخطط لإخماد الصوت الحقوقي الأعلى من داخل البحرين "نبيل رجب" من خلال إدانته وتوقيفه بأيّ طريقة ممكنة، إلا أن الحماقة والغباء وسوء التخطيط إن لم نقل عدم التخطيط والتخبّط، كانت ولا تزال الأسلوب الأكثر اتباعاً من هذا النظام الذي قام ببث اعترافات لشباب أخذت على الأرجح تحت التعذيب، يعترفون فيها بدهس الشرطي وقتله.

كان المتتبعون لتلفزيون البحرين في 28 من إبريل/ نيسان على موعدٍ مع مفاجأة من طراز مختلف، بثّت الإعترافات للمتهمين بدهس شرطي والذين حكم عليهم بالإعدام مؤخراً، إلا أن المستغرب كان بث اعترافات للشهيد علي عيسى صقر، وهو يعترف فيها بدهس الشرطي أيضاً! ربما تكون لعنة صقر هي التي كانت تلاحقهم من دون أن يستشعروا. إن بث اعترافاته بهذه الطريقة أثار استغراباً وتهكّماً ومزيداً من الصدقية للكلام عن الاعترافات التي تؤخذ تحت التعذيب.

صمت الإعلام الرسمي عن هذه الفضيحة، ولم يخرج أحد من مطبلي السلطة ليتحدث عن حرمة الميّت ومراعاة شعور هؤلاء الثكلى الذين فقدوا عزيزاً قبل مدّة قصيرة، إنه وقت الجنون ولا مجال للنقد حتى، إنه وقت التصعيد ولا مجال للتهدأة، وهكذا تجاهلت السلطات ما حدث، بل أعدّت مؤتمراً صحفياً (3 مايو/ أيار 2011) لوزيري العدل والتنمية (القائم بأعمال وزارة الصحة) اللذين تحدثا عن ما أسموه "جرائم الأطباء في الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين" فيما وزيرة التنمية فاطمة البلوشي تحدثت لاحقاً عن انحياز مؤسسات حقوق الإنسان العالمية لطرف دون آخر، مستشهدةً بخبر وفاة علي عيسى صقر حيث اتهمت المعارضة أنها قامت بفبركة الصور باستخدام برامج متطورة، حينها واجهها مراسل البي بي سي قائلاً أنه رأى آثار التعذيب على الشهيد صقر، فأجابته بأن هذه الصور مفبركة، فرد عليها بأنه لم ير صوراً بل رأى بأم عينه آثار التعذيب في المغتسل، سألته الوزيرة في المغتسل؟ فأجاب بالإيجاب مؤكداً.

تغيّرت ملامح الوزيرة التي نسف كل حديثها عن الفبركة والتلاعب بالصور، ووعدت بفتح تحقيق حول ملابسات هذه القضية. وفي 11 مايو/ أيار 2011) أصدرت وزارة الداخلية بياناً بعنوان "الداخلية تحيل عدداً من العسكرين لمحكمة عسكرية مختصة بعد وفاة موقوف" حيث استهلته بمقدمة عن تنفيذها لأمر وزير الداخلية إجراء تحقيق حول ملابسات وفاة علي عيسى صقر وجاء فيه "وبناءً على ما انتهت إليه التحقيقات من توافر أدلة على وجود بعض من الجرائم والمخالفات لعدد (5) من حراس عنبر التوقيف الخاص بالمتوفى فقد تم إحالتهم جميعاً إلى المحكمة العسكرية المختصة".

لم يستطع القارئ أن يعرف، لماذا حدث كلّ هذا، وكيف حدث ما حدث، لا تسلسل منطقيا للأحداث هنا، كل ما حصل من تخبّط قد يرجعه البعض إلى يد الغيب، وقد يرجعه آخرون إلى تخبّط النظام، فيما يقول كثيرون أن لعنة صقر تلاحق النظام وهي التي بدأت بدق المسمار الأخير في نعش الأجهزة الأمنية التي أفرطت في التعذيب والتنكيل بحق هذا الشعب المسالم الذي لم يحمل لهم سوى الورود.

الهوامش:

1- بيان وزارة الداخلية الأول عن وفاة صقر - 9 إبريل 2011

2- الصور التي قام بنشرها نبيل رجب في 10 إبريل 2011

3- بيان الداخلية عن إحالة نبيل رجب للمحكمة العسكرية 10 إبريل 2011

4- الصور التي قامت وزارة الداخلية بتوزيعها وادعت انها للشهيد علي عيسى صقر
10 إبريل 2011

5- بيان هيومن رايتس ووتش الذي تضمن فقرة عن تعذيب الشهيد علي عيسى صقر 13
إبريل 2011

6- بث تلفزيون البحرين لاعترافات لشباب تم اتهامهم بدهس شرطي ، ومن بينهم الشهيد علي عيسى صقر بتاريخ 28 إبريل 2011

7- المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزير التنمية (القائم بأعمال وزارة الصحة) مع وزير العدل بتاريخ 3 مايو 2011


9- خبر إحالة 5 عسكريين لمحكمة عسكرية خاصة


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus