اقتصاد البحرين تحت رحمة "الحل الأمني"

2011-05-14 - 8:34 ص


اقتصاد يتهاوى، تصنيفات متراجعة، والخسائر تتخطى سقف المليار


مرآة البحرين (خاص): لم يكن في مخيلة أحد أن يرى البحرين التي أنفقت خلال الأعوام الثلاثة الماضية ملايين الدولارات في حملتها الإعلانية بعنوان Bahrain business friendly قد أصحبت تستجدي إعلان أي من مصارفها المحلية عن تحقيق أي نسبة أرباح خلال الربع الأول من العام 2011 لتداري بهذا الإعلان حقيقة الإنهيار الذي بات يهدد كافة قطاعاتها الإقتصادية. حاول الجناح المعتدل في الدولة أن يتدارك نزيف الخسارات الإقتصادية عبر مبادرة ولي العهد للحوار مع المعارضة، إلا أن الصف الأول من المتشددين الذين يتزعمهم وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة مارس نفوذه في الدولة ليضع البلاد ومستقبلها السياسي والإقتصادي معاً على مشارف الهاوية.

وكان التقرير الأخير لوكالة الأنباء العالمية "رويتر" قد صنف "ولي عهد البحرين الذي يعتبر أبرز الإصلاحيين في الاسرة الحاكمة ضحية أخرى للحملة على المحتجين المناهضين للحكومة التي أثرت بالفعل على سمعة المملكة كمقصد مشجع للأعمال". وقال شادي حميد المحلل في مركز بروكينجز الدوحة "ليس هناك شك في ان المتشددين مسيطرون وان هناك تحولا في التوازن الداخلي في النظام."

ازمة سياسية وتاريخ من الفساد

ولم تكن المتغيرات السياسية التي شهدتها البحرين منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط الماضي وما تبعها من فرض لحالة الطوارئ (السلامة الوطنية) السبب الوحيد في تأطير هذا الإنهيار، بل يضاف لذلك تاريخ طويل من السياسات الاقتصادية القاصرة وسجل حافل بالفساد الإداري والمالي في شتى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، وهو ما كشفت عنه تقارير الرقابة المالية في البحرين وكذلك ملفات التحقيق التي اشرفت عليها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة في المجلس النيابي وعلى رأسها ملف التحقيق في أملاك الدولة الذي كشف عن مخالفات ادارية ومالية طالت عدداً من أفراد الأسرة الحاكمة.

وتؤكد بعض الأوساط الإقتصادية التي حاورتها "مرآة البحرين" من المنامة "أن الإنجازات التي تحققت مع بروز مجلس التنمية الإقتصادية وسياساته الإصلاحية في سوق العمل قد تبخرت، وأن إعادة البحرين لما قبل الرابع عشر من فبراير يحتاج لمعجزة، فالشركات الكبرى التي تحمل استثمارات أجنبية في البحرين إما غادرت وإما قلصت أعمالها لتصبح مجرد مكاتب تمثيلية ونقلت عملياتها الى دبي أو الدوحة".

وفيما يعتبر تصريح كبير الاقتصاديين بالبنك السعودي الفرنسي جون سفاكياناكيس لوكالة رويتر للأنباء أن "البحرين لا تملك ترف التردد بشأن الإصلاح، إنها تتنافس الآن مع مراكز مالية مشجعة للأعمال في قطر وابوظبي وبالطبع دبي. واذا غادرت الشركات فسوف تستقبلها أماكن أخرى" أكثر  الآراء الاقتصادية دقة ووصفاً لما تشهده البحرين اليوم، لا تزال الحكومة البحرينية تخفي العديد من البيانات والتقارير الاقتصادية التي تؤكد تسجيل خسارات كبرى في العديد من المؤسسات والشركات التي تعود ملكيتها لشركة ممتلكات القابضة الذارع الإستثمارية لحكومة البحرين.

 • نزيف الشركات المهاجرة لدبي والدوحة يسحب البساط من تحت المنامة 
وفيما يعتبر الغاء سباق البحرين للفورمولا 1 أبرز وأكبر الخسارات المسجلة منذ بدء الأزمة السياسية في البحرين، توقع تقرير صادر عن مؤسسة بيزنس مونيتور الدولية أن تؤثر الأزمة السياسية في البحرين على أداء اقتصادها خلال عام 2011. مؤكداً "أن السياحة هى أهم القطاعات المتوقع تأثرها بشدة في الأجل القصير، خاصة مع فقدان فرصة استضافة بطولة سباق السيارات العالمى "فورملا 1". كما يتوقع التقرير "انخفاض ثقة المستهلكين بالاقتصاد، باستمرار تردد القطاع المصرفي في زيادة الائتمان الممنوح، وهو ما سيؤثر على القطاع المالى. وينبع الخطر الرئيسي من الآثار الدائمة المترتبة على مسار الاقتصاد في الأجل الطويل، والناتجة عن التقلبات الحاصلة فى البيئة السياسية".

وكان تقرير اقتصادي نشرته "الجزيرة نت" حول أوضاع القطاع السياحي في البحرين قد أشار إلى "أن حجوزات الفنادق من فئة "5 نجوم" في البحرين تراوحت بين 6% و25% جراء الأزمة، أما فنادق الـ"4 نجوم والـ"5 نجوم" فقد اضطرت إلى دفع موظفيها لأخذ إجازات مفتوحة بدون راتب حتى تتحسن الظروف، في حين لجأت بعض الشركات التي يسكن موظفوها في أماكن الاضطرابات إلى استئجار بعض الشقق المفروشة بعد ما كان يسكنها الخليجيون".

• تقرير لرويتر: ولي العهد البحريني وإصلاحاته هي ضحية للحل الأمني أيضا 
وقال الرئيس التنفيذي لشركة البحرين الوطنية للسياحة عبد النبي الديلمي في تصريح للجزيرة نت:"إن قطاع الفنادق في البحرين شهد أزمة أدت إلى انخفاض في نسبة إشغال الغرف ومرافق الفنادق الـ"5 نجوم، أن أدنى نسبة وصلت إليها حجوزات الفنادق من فئة الـ"5 نجوم" هي 6% وأقصى نسبة هي 25%." موضحاً: "من الصعب جدا معرفة حجم الخسائر في الربع الأول من العام الحالي، لكن الأرقام المالية سوف تنشر في الشهر القادم، وتوقع أن توضح هذه النتائج المالية خسائر كبيرة".

فيما حمل التقرير المنشور تأكيداً من المحلل الاقتصادي الدكتور تقي الزيرة "أن فنادق البحرين التي تعتمد على السياح ستواجه صعوبات هذه السنة، وتوقع أن تتكبد خسائر باهظة تصل إلى مئات الملايين في النصف الأول من العام الحالي. أن استمرار الوضع الحالي للفنادق يعني تضرر بعض الأسواق، خصوصا الأسواق التي تعتمد على مشتريات الفنادق، وأشار إلى أن أي محاولة لامتصاص تأثير هذه الأزمة سيكون على حساب تسريح الموظفين البحرينيين في هذا القطاع".

النمو في البحرين: ينخفض

• بيئة طاردة للأعمال والإستثمارات، والوزارات والمؤسسات في أزمة تخطيط
من جانب أخر، وللتأكيد على ما اشار له تقرير مؤسسة بيزنس مونيتور الدولية، يأتي تراجع أصول الوحدات المصرفية الخارجية للبحرين بنسبة 10% لتصل إلى 134.9 مليار دولار في مارس/آذار الماضي وهو أدنى مستوى للمصارف البحرينية منذ 2005، كدلالة جديدة على ما تعانيه البحرين من مشاكل متراكمة، وعلى اهتزاز صورتها كبلد صديق للاستثمارات الأجنبية والرأسمال الأجنبي. وهو في المحصلة ما جعل من مؤسسة ستاندرد آند بورز تقدم على "خفض التصنيف الائتماني للبحرين بواقع درجتين، كما أبقته قيد المراقبة لاحتمال خفضه مجددًا"، قائلة "إن الاحتجاجات العنيفة أدت إلى تردي المناخ السياسي والاقتصادي".

وتشير التقرير الصحافية التي حاولت سبر مستقبل القطاع الاقتصادي في البحرين إلى الاستطلاع الذي أجرته وكالة رويترز للانباء، إذ أشار الاستطلاع إلى توقع تسجيل نمو اقتصاد السعودية وقطر بنسبة  4.5 بالمائة و15.8 بالمائة على التوالي، وهو ما يضع قطر في مقدمة الدول عالمياً، فيما شار التقرير إلى ان نسب النمو في كل من الاقتصادين البحريني والعماني هذا العام ستنخفض.

وأكد المحللون في الاستطلاع "إن اضطرابات المنطقة قد تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من الخليج بشكل كبير في الأجل القصير وإن الحكومات ستزيد الإنفاق العام في الأشهر القادمة لتهدئة الاحتجاجات الشعبية أو الحيلولة دون حدوثها.
الخسائر في كل مكان

• الفساد والمحسوبية والتلاعب بالمال العام أعاد البحرين ثلاثين عاماً للوراء
وفيما تعاني البحرين من انحسار أعمال وخسائر القطاع الفندقي، فلقد كلفت الإضرابات التي قادتها الإتحاد العام لعمال البحرين في بداية الأزمنة خزينة الدولة الكثير، مضافاً لذلك تضرر قطاع الخدمات الذي يمثل عصباً فاعلاً في البحرين سواء في توفير مواطن العمل للبحرينيين من ذوي الشهادات المتوسطة او عبر ما يوفره للبحرين من سيولة مالية كبيرة جراء الإنفاق المرتفع للسياح الخليجيين في البحرين.

يضاف لكل هذا، حملات المقاطعة المجتمعية في البحرين، والتي غالباً ما تتلون بلباس طائفي وهو تأثير خطير قد ينزاح لطأفنة الاقتصاد البحريني، وسجلت البحرين جراء ذلك خسائر كبيرة لدى رجال الأعمال في القطاع الخاص، وبما يشمل مقاطعة منتجات الشركات السعودية والإمارات اللتان تقودان قوة درع الجزيرة المتواجدة على الأراضي البحرينية.

وبهذا، إن كانت البحرين قد تخطت ممانعات التطوير والتحديث لبنيتها الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية بعد صراعات مريرة بين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان، فإنها اليوم أمام جملة جديدة من التحديات الاقتصادية الكبرى، يضاف لها ما أفرزته المعالجة الأمنية الأخيرة من زيادة أعداد العاطلين عن العمل بعد إقالة أكثر من 1000 عامل واعتقال 1300 شخص في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وهجرة الأموال الأجنبية من البحرين. وهو ما يجعل من اقتصاد هذا البلد الصغير أمام خيارين إثنين، الإصلاح السياسي بما يضمن اعادة عجلة الإنتاج الى الدوران، أو الموت ببطء، ولن يكون لمنحة العشرة مليارات دولار التي اقرها مجلس التعاون الخليجي للبحرين أثر كبير.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus