إسقاط الجنسيات والتهجير: محنة (العجم) بين ثورة فبراير1979 وفبراير2011

2012-11-11 - 10:15 ص

مأتم العجم الكبير في المنامة

مرآة البحرين (خاص): 19 مواطناً بحرينياً من العجم (أصول إيرانية شيعية) تم إسقاط جنسياتهم من بين 31. والبقية من البحارنة الشيعة. 

حسب الباحث التاريخي علي أكبر بوشهري، فإن أقدم وثيقة تثبت وجود العجم في البحرين تعود إلى العام 1828، أي قبل ما يقارب قرنين من الزمن. الوثيقة هي لبيت في المنامة، يعمل أصحابه في التجارة، فيما يعتقد (بوشهري) أن وجود العجم الفعلي في البحرين سابق لتاريخ هذه الوثيقة بطبيعة الحال.  يشكل العجم 20٪ من المواطنين البحرينيين حسب معادلة إحصائية قام بها بوشهري، ويقدر عددهم  100 ألف مواطن على الأقل (1). 

رغم زخم هذا الوجود التاريخي للعجم، إلا أنهم -كأقلية- بقوا طوال الوقت مهددين من قبل النظام بسحب جنسياتهم أو تهجيرهم كما حدث في الثمانينات. الرسالة التي يحرص النظام على إبقائها فاقعة كي لا يتجرأ العجم على معارضة النظام هي: لا تنسوا أنكم عجم، وأن تهجيركم أو بقاءكم أمر بيدي وحدي.  

في العام 1981 وفي أعقاب انتصار الثورة الإيرانية، قام النظام بحملة تهجير واسعة للعجم البحرينيين، شملت الكثير من العوائل، تم تهجيرهم بطريقة مهينة ولا إنسانية، بعض العوائل أخذت بالكامل ووضعت في قوارب وتمّ ترحيلها، والبعض أخذوا من أعمالهم إلى الفرضة مباشرة. 

بعد هذه الضربة خفت صوت العجم كثيراً، وانكفأوا على أنفسهم، وانصرفوا غالباً عن الشأن السياسي، فيما أبقوا على وجودهم الاجتماعي والديني فقط. شعر العجم بالغبن وعدم الأمان، خصوصاً أن قضيتهم لم يتبناها أحد، ولم تحظ بتحرك محلي أو دولي يدافع عنها. بقى العجم المهجرين من البحرين مشردين في كل مكان، شعروا بأنهم وحدهم، وأنهم دفعوا ثمن التوتر السياسي بين بلدان الخليج وإيران دون أن يكون لهم أي ذنب، وكان ذلك تهديدا مفتوحا لمن بقي منهم.

حدث التهجير، شكّل عقلاً جمعياً عند العجم، مفاده أن أي خلاف يقع بين الشعب (المكون الشيعي تحديداً) والنظام، سيدفع ثمنه (العجم) وسيعاملون كفارق عملة. لهذا تجنب العجم الدخول في أحداث التسعينات، وصار حضورهم محدوداً، كانت حادثة التهجير الثمانيني، لا تزال طرية في ذاكرة الجيل الذي عايش أحداث التسعينات، ولا يزال في كل عائلة عدد من المهجرين. لكن ذلك لم يحمهم تماماً من دفع الثمن، فقد سجن عددا منهم. مع إعلان ما سمي بالمشروع الإصلاحي والسماح بعودة جميع المهجرين، عادت عوائل العجم كما عاد الآخرون، لكنها لم تنس تجربة التهجير المهينة. 

مع أحداث ثورة 14 فبراير، علق العجم البحرينيون بين توجهين: الأول كان حذراً جداً من الانصهار في الحدث،  فكان يستحضر أمامه تجربة الثمانينات ومعرفته بالنظام البحريني، وغالباً ما كان أصحاب هذا الرأي من الجيل الأكبر. كانوا يقولون للجيل الشاب والمتحمّس: احذروا، سيتكرر السيناريو، وحينها لن يقف معكم أحد، كما لم يقف مع العجم المهجرين في الثمانينات أحد. 

أما التوجه الآخر، فيرى أنهم مواطنون بحرينيون، ولم يعد مقبولاً منهم الاستمرار في الانكفاء أو التذرع بالخوف من التهجير، وأن أجدادهم قد ولدوا في البحرين ولا يعرفون وطناً آخر لهم. وأنه من واجبهم المشاركة مع أبناء وطنهم في المطالبة بوطن أفضل للجميع. أغلب أصحاب هذا التوجه هم من الشباب المتحمسين، بعضهم لم يعايش حدث الهجرة في الثمانينات. 

تهديدات مبطنة وتحذيرات باتخاذ إجراءات ضد العجم، وصلت شفوياً إلى كل من نادي المنامة ومأتم العجم الكبير، وأن عليهما أن يصدرا بياناً يعلنان فيه ولاءهما للنظام الحاكم وإدانتهما للعنف، وهو ما فعلاه حماية لوجود العجم المهدّد. من جهته حاول عضو الشورى خالد آل شريف تشكيل وفد من  الوجهاء والتجار العجم، والذهاب إلى الملك لإعلان الولاء، لكن ذلك لم يحدث.

لم يكن قرار إسقاط الجنسية عن 19 من العجم البحرينيين مفاجئاً إذاً، البعض لا يزال يتوقع أن تسير الأمور إلى ما هو أسوأ، أن يتكرر سيناريو الهجرة من جديد. لكن الأهم من ذلك أن (مرآة البحرين) وأثناء استطلاعها لرأي عدد من الناشطين العجم إزاء هذا التهديد، كان الجواب العام الذي حصلت عليه: نحن أبناء هذا الوطن وسنبقى، هناك من قدّم روحه من أجل هذا الوطن، ونحن لن نبخل أن نقدّم جنسياتنا، إن طردونا اليوم سنعود يومآً حتماً، النصر هو مصير هذا الشعب، صمود، ولا تنازل، ولم يعد مكان بيننا للتراجع.

هامش

(1) صحيفة الوقت البحرينية:تاريخ العرق الفارسي في البحرين

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus