المركز الأوروبي للعلاقات الدولية: الأزمة القطرية والمصالح الأمريكية

كريستيان كواتس أولريخسن - المركز الأوروبي للعلاقات الدولية - 2017-09-21 - 8:12 م

ترجمة موقع الخليج الجديد

أدّى انهيار العلاقات الدبلوماسية للبحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع قطر وفرضها تدابير اقتصادية عقابية ضد الدوحة، في 5 يونيو/حزيران، إلى نزاعٍ طويل الأمد حول نهج قطر المميز. وتعود التوترات بين قطر وجيرانها إلى وقتٍ طويل، لكنّ الخلاف الأبرز بدأ منذ الربيع العربي عام 2011، والدعم اللاحق الكبير الذي قدمته قطر للتحولات الإسلامية في شمال أفريقيا وسوريا.

وسبق وأن سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر عام 2014 واستمرت في ذلك لتسعة أشهر، لكنّ الأزمة الحالية تعد أكثر خطورة وتهدد نسيج مجلس التعاون الخليجي. وقد سعى كلا الجانبين في النزاع بين قطر ودول الحصار إلى تعبئة الدعم السياسي في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية لقضيتهم، ويضع هذا الشركاء الدوليين للخليج في موقفٍ دقيقٍ نظرًا للشبكة الكثيفة من العلاقات الاستراتيجية والتجارية التي شكلت، لأعوام، حجر الزاوية في نهج الشؤون الإقليمية.

العلاقات مع جميع الأطراف

وتعد مصالح الولايات المتحدة في الخليج طويلة ومتنوعة. وتكمن جذورها الحديثة في الترتيبات الأمنية الأمريكية مع السعودية، والحفاظ على قوة بحرية في البحرين، تعود إلى الأربعينات، وكذلك «عقيدة كارتر» التي تعود إلى يناير/كانون الأول عام 1980، والتي ذكرت أنّ الولايات المتحدة ستستخدم القوة، إذا لزم الأمر، لحماية مصالحها الوطنية في الخليج. وقد وضع «جورج بوش» و«بيل كلينتون» في التسعينات سياسة «الاحتواء المزدوج» التي استبعدت العراق وإيران من الهياكل الأمنية الإقليمية، وعززت العلاقات الأمنية الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد تحقق ذلك من خلال اتفاقية قائمة بالفعل مع سلطنة عمان، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات الأمنية مع السعودية، إضافةً إلى اتفاقيات التعاون الدفاعي مع البحرين والكويت وقطر والإمارات. ويستقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين منذ عام 1995، والمقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية في قطر منذ عام 2002. وتم تخزين مخزوناتٍ كبيرة من المعدات العسكرية في القواعد الجوية والموانئ في الإمارات والكويت، وهي المخزونات التي أصبحت شريان الحياة الإداري واللوجستي للقوات متعددة الجنسيات في العراق بعد عام 2003.

وبذلت إدارة «باراك أوباما» جهودًا متضافرة للمشاركة والتنسيق مع مجلس التعاون الخليجي، خاصةً فيما يتعلق بقضايا الأمن والدفاع ذات الاهتمام المشترك. وفي مارس/آذار عام 2012، أطلقت الولايات المتحدة والمجلس منتدى التعاون الاستراتيجي. وفي اجتماعه المعقود في سبتمبر/أيلول عام 2013، تم تشكيل لجنة أمنية لمعالجة قضايا مكافحة الإرهاب وأمن الحدود في الخليج. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2013، أصدر الرئيس «أوباما» قرارًا رئاسيًا جعل من الممكن، لأول مرة، أن تبيع الولايات المتحدة الأسلحة إلى المجلس ككتلة. كما عملت إدارة الولايات المتحدة تحت رئاسة «أوباما» مع مجلس التعاون الخليجي في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفي الجوانب اللوجستية من التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، على الرغم من توتر العلاقات بسبب الاتفاق النووي الإيراني، والسياسة الأمريكية بشأن سوريا، وردود الفعل على الربيع العربي.

الفوز بالقلوب والعقول

وقد تحول المشهد الجيوسياسي في الخليج العربي في الأشهر الستة الأولى منذ تولي الحكومة الأمريكية الجديدة مهامها. وأشارت إدارة «ترامب» إلى نيتها اتباع مجموعة من السياسات الإقليمية تجاه إيران والجماعات الإسلامية، وهو ما يتماشى على ما يبدو مع مصالح أبوظبي والرياض أكثر من الدوحة. وقد استضاف ولي العهد السعودي الجديد الرئيس ترامب في الرياض في قمة من إعداد ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد». وتفيد التقارير بالعلاقة القوية بين «بن سلمان» وصهر الرئيس جاريد كوشنر، بحسب تسريباتٍ لسفير الإمارات في واشنطن، «يوسف العتيبة».

وفي حين سعت إدارة «أوباما »للعمل بشكلٍ جماعي مع مجلس التعاون الخليجي وبالأخص السعودية والإمارات، سرعان ما برزت قائمتان رئيسيتان للإسقاط الإقليمي للسياسات الأمريكية في الخليج، استنادًا إلى مجموعة من المصالح الدفاعية والأمنية المتباينة. وقد قامت عناصر رئيسية في إدارة «ترامب، مثل وزير الدفاع «جيمس ماتيس» ومدير وكالة المخابرات المركزية «مايك بومبيو»، بإعلان وجهة نظر تجاه إيران والإخوان المسلمين تتماشى مع نظرائهم في الرياض وأبوظبي. وبعد أسبوع واحد من رئاسة «ترامب»، شنت القوات الأمريكية غارة مشتركة مع القوات الإماراتية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويُعتقد أنّ فرض «حظر الحاسوب المحمول» على الرحلات من مطارات الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة كانت نتيجة تبادل معلومات استخباراتية بين الإمارات والولايات المتحدة.

ويعد افتقار الكثيرين داخل دائرة الرئيس «ترامب» الداخلية للخبرة عامل تشجيع للمسؤولين السعوديين والإماراتيين للاعتقاد بأنّ هناك فرصة حاضرة لتشكيل تفكير الإدارة في القضايا الإقليمية الهامة مثل إيران والإرهاب وكذلك بشأن قطر. وربما لم يكن من قبيل المصادفة أنّ الحملة الإعلامية ضد قطر بدأت في 23 مايو/أيار، أي بعد يومين فقط من زيارة الرئيس «ترامب» إلى الرياض. ومنذ البداية، كان الهدف الرئيسي للحملة ضد قطر هو كسب معركة القلوب والعقول في واشنطن، وخاصةً في البيت الأبيض، الذي اعتُبر متعاطفًا مع وجهة النظر السعودية والإماراتية. وهكذا، ظهر عددٌ كبيرٌ من المقالات في وسائل الإعلام الإقليمية التي ربطت قطر مع إيران وتنظيم القاعدة، وكذلك أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والجماعات الإسلامية المعاصرة المعتدلة والمتطرفة، وهو ما هدف إلى إحداث صدىً مع المسؤولين في إدارة «ترامب».

ومع أمل الرياض وأبوظبي في أن تنحاز إدارة «ترامب» إلى جانبهم في الأزمة، كانت البداية في 6 يونيو/حزيران بسلسلة من التغريدات التي أثنت على عمل دول الحصار، والتي تسببت في حالة ذعر في الدوحة. ومع ذلك، وفي وقتٍ لاحق، عادلت آراء وزارة الخارجية والبنتاغون انحياز البيت الأبيض، بتصريحاتٍ وضعت في اعتبارها القيمة الاستراتيجية والتجارية للعلاقة القطرية الأمريكية. وتم توقيع اتفاقٍ بقيمة 12 مليار دولار لبيع طائراتٍ مقاتلة من طراز إف-15 إلى قطر بعد أسبوعٍ واحدٍ من الأزمة، كان قد تم التفاوض عليها أثناء رئاسة «أوباما». وهي الصفقة التي مثلت رمزية قوية لصالح قطر.

الآثار والدروس المستفادة

وفي حين تدخل الأزمة بين قطر ودول الحصار الأربعة الشهر الثالث دون أي علامةٍ على الحل، فأقل ما يمكن قوله هو أنّ مجموعة من محاولات الوساطة الأمريكية والكويتية قد منعت الأزمة من التصاعد خارج نطاق السيطرة خلال الأسابيع القليلة الأولى المتقلبة. وكان الأمير «صباح الأحمد الصباح» أمير الكويت قد شارك في جولةٍ من الدبلوماسية المكوكية في يونيو/حزيران قبل أن يفعل وزير الخارجية «تيلرسون» نفس الشيء في يوليو/تموز. وأدت أعمالهم إلى اختصار قائمة المطالب الأولية التي ضمت ثلاثة عشر شرطًا وطلبًا لرفع الحصار عن قطر من قبل الدول الأربعة إلى مجموعة من ستة مبادئ عامة، على الرغم من أنّ النسخة المخففة كانت هي الأخرى غير كافية لبدء المفاوضات. ومع ذلك، فقد اتهم كلا المعسكرين الطرف الآخر في التسبب في إلحاق ضررٍ كبير بسمعة الطرف الآخر، وإلحاق أضرارٍ لا يمكن إصلاحها، وهو ما يهدد في نهاية المطاف بقاء مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك، فهناك اثنين من الدروس السياسية الرئيسية. بالنسبة للولايات المتحدة، أظهرت المواجهة كيف أنّ عدم التحدث بصوتٍ واحد قد تسبب في ارتباكٍ حيث ظهرت الفجوات بين البيت الأبيض وإدارات الحكومة. وفي بعض الأحيان خلال الشهرين الماضيين، بدا وكأنّ لدى الولايات المتحدة اثنين من الاتجاهات السياسية المتناقضة تجاه الشركاء الأمريكيين، ولم يكن مؤكدًا أي واحدٍ فيهما يمثل الولايات المتحدة. وكان لهذا تداعياته على مصداقية الولايات المتحدة الإقليمية، ليس فقط بين الحلفاء والشركاء الأمريكيين ولكن أيضًا بين الخصوم. كما أنّه يترك الولايات المتحدة عرضةً لهذا النوع من الضغط الذي يحاول تشويه سمعة قطر كمضيفٍ عسكريٍ موثوق به للمرافق العسكرية الحرجة في قاعدة العديد، أكبر قاعدة جوية في الخارج تستخدمها الولايات المتحدة، ومعسكر السيلية الذي يدعم القوة الأمريكية في الخليج والمنطقة.

والدرس الثاني موجه لصناع القرار، وهو أنّ النزاع في الخليج قد يمثل أول أزمةٍ دولية في عصر «الحقائق البديلة». وعلى الرغم من أنّ التوترات التي انفجرت في 5 يونيو/حزيران كانت تختمر منذ أعوام، إلا أنّ الأزمة الحالية بدأت باختراق وكالة أنباء قطر الرسمية (قنا) في 23 مايو/أيار، وهو ما قد يكون مدبرًا من قبل الإمارات. وبغض النظر عن من كان وراء الاختراق، فإنّ الأخبار المزيفة التي نُسبت لأمير قطر كانت مقدمة لأسبوعين من المقالات التي لم تتوقف عنها وسائل الإعلام الإقليمية التابعة للدول المقاطعة لقطر، مثل قصة حماية أعضاء الحرس الثوري الإيراني لقصر الأمير، أو مقابلة مع عضو منشق في الأسرة الحاكمة القطرية ظهرت في صحيفة باللغة الإنجليزية في أبوظبي. وقد عادت وسائل الإعلام القطرية إلى الوراء قليلًا في تبادل الاتهامات ما خلق جروحًا إقليمية عميقة قد تستغرق أعوام بل وحتى عقودٍ للشفاء. وتتمثل الأزمة الأعمق في الانهيار التام للثقة المتبادلة بين قطر وجيرانها الثلاثة أكثر من أي وقتٍ مضى.

وعلى صناع القرار في الولايات المتحدة إدراك أنّه ليس هناك فائزون وخاسرون في هذه الأزمة، وأنّ الخطوط بين الطرف الجيد والسيئ ليست واضحة كما يعتقد الطرفان. وتعد إجراءات مثل توقيع مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة وقطر بشأن تمويل الإرهاب واحدة من الخطوات الإيجابية نحو معالجة القضايا التي أدت إلى حدوث احتكاكٍ في الماضي، لكن تتضاءل فائدتها إذا ما قُوضت من خلال التصريحات في أماكن أخرى. ولدى الولايات المتحدة الكثير لتخسره في أي مواجهة مطولة في الخليج، مما يضعف مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ خطير، ويوفر فجواتٍ لدولٍ إقليمية أخرى، مثل تركيا أو حتى إيران، للدخول إلى ما كان لما يقارب الثلاثين عامًا الركيزة الصخرية في بنية الدفاع والأمن الأمريكيين في عصر ما بعد حرب الخليج في المنطقة.

 

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus