الإندبندنت: روبرت فيسك: السعودية تحاول جعل قطر دولة تابعة لها بطلبها وقف الجزيرة

روبرت فيسك - الإندبندنت - 2017-07-06 - 3:43 م

ترجمة مرآة البحرين

أصبحت الأزمة السعودية-القطرية خطيرة جدًا الآن بحيث أُفيد أنّ وزير الخارجية القطري يخطط للقيام برحلة طارئة إلى واشنطن في الأيام القليلة المقبلة أملًا بأن ينقذ نظام ترامب إمارته. ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني يعلم جيدًا أنه في حال وافقت قطر على المطالب الـ 13 غير المسبوقة -يبدو أنّ بعضها لم يسبق له مثيل- التي تقدمت بها السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر، فإنّه لن يكون لها وجود بعد ذلك كدولة قومية.

محررو قناة الجزيرة، المدعومون من قبل جماعات حقوق الإنسان وحرية الصّحافة، ندّدوا بالإنذار الذي تبلغ مدته 10 أيام بوجوب إغلاق القناة الفضائية القطرية -وكذلك ميدل إيست آي وغيرها- على أنّه تدخل فظيع في حرية التّعبير. وشبّهه مدير تنفيذي في القناة بطلب ألمانيا بأن تغلق بريطانيا هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. وهو يتجاوز ذلك إذ يشبه طلبًا من الاتحاد الأوروبي بأن تغلق تيريزا ماي الـ بي بي سي. ونعلم ما يمكن أن يكون ردها [تيريزا ماي] على ذلك.

لكن رئيسة الوزراء البريطانية، ووزير خارجيتها، اللذين كانا حريصين على الابتعاد عن هذا النزاع العربي الخطير جدًا -والباهظ الكلفة، لن يتحركا من أجل قطر. وكذلك الأمر بالنسبة للأمريكيين، عندما قرر رئيسهم المعتوه أن قطر كانت ممولًا للإرهاب، بعد أيام من موافقته على صفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار مع السعودية.

لكن بالطبع، كما يقول القطريون، لا يمكن أن يكون الأمر جديًا. إنّهم لا يشكون بأن المشير السّيسي  في مصر، الذي يبغض الجزيرة، هو أساسًا وراء المطالبة بإغلاقها، لكن لا بد من أنّ إحدى الدول العربية الأربع سرّبت عمدًا القائمة لرويترز وأسوشيتد برس. وفي حال كان الأمر كذلك، فلماذا يرغب أعداء قطر في الكشف عن سرّهم في وقت مبكر؟ من المُؤكد أنّ مثل هذه المطالب ستكون الموقف التّفاوضي الأول للدول العربية الأربع.

من الصّعب أن نرى كيف يمكن للقطريين أن يردوا. إذا قاموا بالفعل بإغلاق شبكتهم التلفزيونية المنتشرة في العالم، وغيرها من المجموعات الإعلامية، وقطع العلاقات مع الإخوان المسلمين -هدف السيسي، على الرّغم من أنّ عدوه الحقيقي هو داعش- وطالبان وحزب الله، والحدّ من علاقتهم مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، والكشف عن حساباتهم للتّدقيق العربي الدّولي على مدى الأعوام الاثني عشر المقبلة، عندها تصبح قطر دولة تابعة.

بالنّسبة لأصدقاء قطر، يبدو الأمر غريبًا، خياليًا، وتقريبًا أبعد من الواقع -لكن من يمكنه محو ذاكرة محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الجديد والمندفع البالغ من العمر 31 عامًا؟ إذا استطاع التّسرع في حرب ميؤوس منها مع الحوثيين في اليمن، فلِم لا يجب عليه تهديد الجسم السّياسي في قطر؟ حاولت العائلة السعودية المالكة مرارًا إذلال جارتها المتمردة؛ وبعزلهم لؤلؤة الثروة هذه مع قناتها التّلفزيونية المهيبة، فإنّهم يُجبِرون قطر على الخضوع: التعامل مع إيران وتركيا.

غني عن القول إنّ الجزيرة ليست خجولة. ولم يكن التّواضع يومًا صفتها الرّئيسية. وقد أظهرت قناتها العربية تحيزًا غير اعتيادي للإخوان، الذين واصل أمير قطر دعمهم بعد قيام الجيش المصري بانقلاب عسكري ضد الرّئيس المنتخب للإخوان. وسجن السيسي مجموعة من صحافيي الجزيرة الذين استُخدِم عملهم للمحطة الإنكليزية -من دون إذنهم- على قناة "البث المباشر"  الدخيلة، المناهضة للسّيسي، والتي تديرها قطر.

المحطة الإنجليزية، على الرّغم من كل الضّجة التي رافقتها عندما بدأت البث -أشادت وسائل الإعلام الأمريكية بوصولها كبداية لحرية الإعلام في الشّرق الأوسط- نادرًا ما غطت أخبار البحرين أو أبدت أي شجاعة حاسمة في تغطية شؤون السعودية.  ولم تسأل أبدًا لم لم تكن قطر دولة ديمقراطية. عندما بدأت بث الخطابات المسجلة لأسامة بن لادن، أراد الرّئيس جورج بوش الابن قصف القناة الفضائية -وهي خطوة أكثر تطرفًا من المطالب الـ 13 للدول العربية الأربع التي ترغب الآن بعزل قطر.

كانت نسخة أمريكية من الجزيرة فشلًا تامًا؛ بدأت تبدو وكأنها نسخة أخرى من صحافة سي إن إن/فوكس نيوز الرخيصة التي اجتاحت آنذاك خدمة اللغة الإنجليزية المنتشرة في أرجاء العالم.

لذلك، في حين لا ينبغي لنا أن نكون رومنسيين جدًا بشأن الجزيرة، فإن منتقديها العرب، محصنين بعلاقتهم الجديدة الرومنسية جدًا مع ترامب، يحاولون سحق أي كرامة تدعيها قطر لنفسها. والإصرار على أن تدفع تعويضًا نقديًا عن خسارة الأرواح النّاتجة عن سياستها الخارجية هو بمثابة الطلب من السعودية تمويل إعادة إعمار اليمن، ودفع تعويضات عن 10 آلاف ضحية مدنية والعناية بعشرات الآلاف من ضحايا الكوليرا.

في أيام مجدها السابقة، سألت أحد كبار الموظفين في الجزيرة عما إذا كانت القناة، التي ظهرت على شاشتها أحيانًا، مجرد دعاية لصالح العائلة المالكة في قطر. وأجابني بحزم أنّه لا. إنها "مشروع سياسة خارجية". وبالتالي فمن الواضح أنها كذلك. اعتقدت قطر الصغيرة أنها أصبحت قوة إمبراطورية لا تغيب الشمس عن قمرها الصّناعي أبدًا.

لكن في حال استحوذت يومًا ما على السلطة على الأرض -من خلال إعادة إعمار سوريا، على سبيل المثال- قد يضيف هذا الأرض إلى النفط والغاز السائل والجزيرة؛ وهو أمر لن يقبله السعوديون مطلقًا. هل هذا هو السبب في أن دولة قطر مهددة الآن؟

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus