إميل نخلة: حين يذهب باحث في برنامج فولبرايت إلى البحرين

إميل نخلة - موقع 200 قصة أخرى - 2016-11-15 - 11:52 م

ترجمة مرآة البحرين

كوني الباحث الأول في برنامج البحوث في منحة فولبرايت في البحرين، أمضيت العام الدّراسي 1972-1973 أدرس إنشاء دولة البحرين الجديدة بعد أن حازت البلاد على استقلالها في العام 1971. أسرة آل خليفة السنية حكمت الغالبية الشيعية على مدى قرنين تقريبًا. قبل الاستقلال، كان آل خليفة خاضعين للحكومة البريطانية أو متأثرين بها. وعلى مدى السنين، خدم مسؤولون بريطانيون رفيعو المستوى، بمن في ذلك تشارلز بلجريف وإيان هندرسون، كمستشارين نافذين رفيعي المستوى لدى الأسرة الحاكمة وأداروا جهازي الشرطة والأمن الداخلي في البلاد.

حظيت بشرف رؤية كيفية إنشاء المجلس التأسيسي أو مجلس الشورى، وحضور جلساته المفتوحة كلها. ناقش المجلس الدّستور الجديد ووضع مسودة له كما أنشأ الهيكل الإداري للدولة. قابلت كل أعضاء المجلس، المنتخبين منهم وكذلك المعينين من قبل الأمير الشّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وأخيه رئيس الوزراء الشيخ خليفة. أعلن الأمير عن الدستور في العام 1973 لكن جُمِّد العمل به لاحقًا في العام 1975، أي خلال أقل من عامين. بعد ذلك، أصبح الأمير حمد بن عيسى آل خليفة، وهو الملك حاليًا، خلفًا لوالده الأمير الشّيخ عيسى. وبقي خليفة في منصبه كرئيس للوزراء، الأمر الذي يجعله رئيس الوزراء غير المنتخب صاحب أطول مدة خدمة في التاريخ الحديث في العالم.

بعد وصولي إلى البحرين، زرت رئيس المجلس وطلبت منه إعطائي إذنًا لحضور كل الجلسات. وحيث إنه لم يكن يحيط علمًا ببرنامج فولبرايت، سألني عما كنت أخطط لفعله. أخبرته أني سأجري بحثًا، ومقابلات مع الناس، وأحلل السجلات، وبعدها أكتب. التفت إلى سكرتيرته وقال لها: "إنه يكتب، لا بد أنه صحافي، أعطه بطاقة صحافي". وبذلك حضرت كل الجلسات المفتوحة في المجلس كـ "صحافي"! ومع تزايد سخونة النّقاشات داخل المجلس، وتفاعل وسائل الإعلام، ازداد قلق رئيس الوزراء. اتهمني بالتحدث على نحو وثيق جدًا مع أعضاء المجلس و"الإيحاء لهم بالأفكار". اتصل بالسفير الأمريكي، المقيم في الكويت آنذاك، وهدد بالإعلان عن كوني "شخصًا غير مُرَحب به" وإنهاء إقامتي. وقد غضب بشكل خاص بعد أن طلبت إجراء مقابلة مع إيان هندرسون بخصوص الأمن الدّاخلي. قال لي هندرسون إنه عمل لصالح رئيس الوزراء وإنه لن يمنحني المقابلة من دون موافقته [رئيس الوزراء]. غني عن القول إن الأمر لم يحصل. لكني بقيت في البحرين!

وعلى سبيل الدعابة، بعد أن بدأت بحثي في مجلس الوزراء، طلبت في أحد الأيام عدة وثائق محددة. قيل لي: "انشالله بكره". وبسذاجة، عدت "بكره" [في اليوم التالي] للحصول على الوثائق. ابتسم الشخص المسؤول وقال لي بتهذيب إن "بكره" لا تعني وقتًا محددًا! وحين رويت الأمر في اليوم التّالي لوزير الخارجية، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، الذي كان مسؤولًا عن برنامجي في فولبرايت، ضحك وأرسل مذكرة إلى مجلس الوزراء يقول فيها: "لا تستخدموا "انشالله بكره" مع د. نخلة!"

وفي حين لم أستطع أبدًا مقابلة إيان هندرسون، سألت، وأنا على متن الطائرة مغادرًا البحرين، ضابط أمن بريطاني يجلس بجانبي، عن ضرب ابن صحافي. كان قد تناول بعض المشروب، فاعترف لي بحرية وروى لي القصة، وأخبرني أنه "نعم، نحن نجري الاستجواب، لكننا لا نمارس التّعذيب. المرتزقة العرب يقومون بذلك!"  وبكلمة "مرتزقة" كان يشير إلى المغتربين العرب الذين يعملون في قسمه.

بحثي ضمن برنامج فولبرايت أدى إلى كتاب اسمه "البحرين: التنمية السياسية في مجتمع متطور"، والذي نُشِر في العام 1976. حُظِر الكتاب لعقود، أي على مدى ثلاثين عامًا، لكن منظمة بحرينية غير حكومية تمكنت من ترجمته إلى اللغة العربية وطباعته. ناشر الكتاب الأصلي أعاد نشره في العام 2011 في أعقاب بدء الربيع العربي، لأنه وجد أن المظالم التي تكلمت عنها في السّبعينيات ما تزال موجودة بعد مضي أربعين عامًا! برنامج فولبرايت في البحرين كان تجربة رائعة لي. كوّنت صداقات لمدى الحياة وتمتعت بإقامتي هناك على نحو كبير. ما تزال البحرين تشغل حيزًا دافئًا من قلبي. البحرينيون -سنة وشيعة- أرادوا دومًا أن يعيشوا بكرامة وسلام، ولكن بحرية أيضًا. ومن المشين أن لا تتمكن الأسرة الحاكمة من مشاركة السّلطة وتعزيز شرعيتها في أعين شعبها. على حكام آل خليفة أن يتعلموا درسًا مفاده أن القمع ليس أبدًا الإجابة على السلم الأهلي  والوئام الاجتماعي.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus