عقيدة الـ"Anti-Shi’ism" في البحرين

 السياج الشائك أصبح وسيلة الأمن المفضلة لعزل القرى الشيعية
السياج الشائك أصبح وسيلة الأمن المفضلة لعزل القرى الشيعية

2016-08-21 - 6:54 م

مرآة البحرين - خاص: خسرت البحرين معركة إقناع العالم. لقد أصبحت تُعرّف بأنها البلاد الّتي تضطهد الشيعة. في أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول الحريّات الدينيّة الصادر هذا الشهر أغسطس/ آب 2016 استخدمت الوزارة وصف معاداة الشيعة Anti-Shia نحو خمس مرّات لوصف ما يجري في البحرين إزاء المسلمين الشيعة.

أما الأمم المتحدة فأسمته في بيان صادر هذا الشهر أيضاً ووقع عليه نحو خمسة من خبرائها الخاصّين فأسمته اضطهاد "Persecution of Shias". قالت الأمم المتحدة أيضاً إن المضايقات واضطهاد الشيعة في البحرين عملية ممنهجة "Systematic Harassment". إن كلاًّ من التسميتين لافتة إذ تتشاركان المعنى إياه. إلا أن إحداهما وهي Anti-Shia التي هي صفة مشتقة من الاسم Anti-Shi'ism ليست تسمية عرضيّة.

الحقيقة أنه منذ العام 2011 تم إدخال مصطلح Anti-Shi'ism في قواميس اللغة ليشار به إلى اضطهاد الشيعة أو مناهضة التشيع والتحامل على أو كراهية المسلمين الشيعة بناءً على دينهم وتراثهم.

مثلاً جاء في قاموس "ميريام ويبستر" الأمريكي الشهير الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أوائل القرن التاسع عشر التعريف التالي لمادة حديثة فيه وهي "Anti-Shi'ism": التحامل والكراهية تجاه الفرع الشيعي للإسلام أو المسلمين الشيعة. ونعثر على نفس هذا التعريف قي قاموس "كولينز" البريطاني، وكذلك قاموس "أوربان ديكشينري" المطوّر على شبكة الإنترنت. ويتوسع القاموس الأخير ليتوقف عند بواعث هذا الاضطهاد؛ إذ يقول إنه نابع من "كراهية الشيعة الممنهجة سواء بالمشاعر أو العمل".

لقد رد رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان آل خليفة على تقرير خبراء الأمم المتحدة الذي دان استهداف السكان الشيعة، مستخدماً  متلازمة الإنكار المرضية لدى السلطات التي أصبحت مثاراً للسخرية قائلاً إن حكومته "لا تستهدف مواطنيها إلا بالخير ولا تعمل إلا لصالحهم". لكن ماذا ستفعل الحكومة مع قواميس اللغة! وماذا ستفعل مع شبكة الموسوعة الحرّة "ويكيبيديا" التي تستضيف صفحة كاملة لـ"Anti-Shi'ism"؛ وتحته قامت بإدراج مادة كاملة عن اضطهاد الشيعة في البحرين!

إن أمام الحكومة البحرينية مهمّة شاقّة عسيرة وطويلة لا تدور رحاها فقط على مداخل قرية الدراز الفقيرة غربيّ المنامة؛ حيث تحاصرها قوات الأمن منذ شهرين وتعيق حرية ساكنيها منذ إسقاط جنسية آية الله الشيخ عيسى قاسم، أبرز زعيم ديني لشيعة البلاد.

إنما تدور أيضاً على مضارب اللغة وفي محيط الثقافة والقواميس ومحرّكات الشبكة العنكبوتية. إن أمامها حقلا اصطلاحيا كاملا أصبح يدرج بشكل واضح لا لبس فيه حملات الاستهداف والكراهية والتحامل التي يتعرض لها المسلمون الشيعة على أنها نوع من عقيدة الـ"أنتي - شيعيزم". تماماً كما هو الأمر مع عقيدة اللاسامية أو معاداة اليهود "Antisemitismus".

في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير للحريات الدينية أشار إلى عدّة نماذج من الـ"أنتي - شيعيزم" في البحرين. مثل التعليقات المعادية للشيعة في وسائل البث الخاصة والمنشورات وعلى وسائل الإعلام الاجتماعية، بما في ذلك تلك المزاعم التي يتم إطلاقها بحق قادة جمعية "الوفاق" بدعم الإرهاب.  ومثل التمييز ضد الشيعة في مجموعة متنوعة من القطاعات وحرمانهم من البعثات الدراسية. ومثل التعليقات المعادية للشيعة في البرامج الإذاعية والمطبوعات ووسائل الإعلام  الحكومية. ومثل خطب رجل الدين السلفي الشيخ جاسم السعيدي. ومثل النعوت المتكرّرة في صحيفة "الوطن" المملوكة للديوان الملكي للمتظاهرين الشيعة بأنهم "صفيون" و"خونة" و"إرهابيون" و"بلطجية" و"انقلابيون" و"عملاء إيران". ومثل الاعتداءات المتكررة على مساجد الشيعة وتخريبها.

ولدى هيئة الأمم المتحدة قائمتها هي الأخرى للـ"أنتي - شيعيزم". إذ قالت في بيان خبرائها الخاصين الصادر في (16 أغسطس/ آب 2016) إن الشيعة في البحرين يتم استهدافهم "بشكل واضح على أساس دينهم". وأكدت على أن مواجهة الشيعة في المحاكم بتهم المشاركة في "تجمع غير قانوني" و"التحريض على كراهية النظام" و"غسل الأموال" و"الأعمال الإرهابية"، ما هي إلا "اتهامات لا أساس لها تستخدم لإخفاء الاستهداف المتعمد للشيعة في البلاد".

إن أمام حكومة البحرين طريق طويل لنفي كل ذلك. ومن السذاجة التعويل على مكاتب العلاقات العامة أو الصحافيين المغمورين الموالين لها في الصحف.

في غضون الشهرين الماضيين قامت السلطات الأمنية باستدعاء واحتجاز نحو 87 رجل دين شيعي. وباشرت بمحاكمة 12 رجل ديني شيعي على خلفية مواقفهم وآرائهم السلمية. فيما استكملت إغلاق كافة المؤسسات الشيعية تقريباً كالمجلس الإسلامي العلمائي وجمعية التوعية الإسلامية وجمعية الرسالة الإسلامية. إضافة إلى جمعيتيّ "أمل" و"الوفاق" السياسيتين. وأجبرت جمعية "الإخاء" التي تمثل الشيعة العجم على حل نفسها بنفسها.

وفيما تقوم السلطات القضائية التي تهيمن العائلة الحاكمة على قراراتها بتكييف قضية لفريضة الخمس التي تعد من فروع الدين عند الطائفة الشيعية واعتبارها ضرباً من ضروب غسيل الأموال لإدانة أكبر زعيم شيعي.  يرزح في السجن منذ العام 2011 حوالي 4 آلاف جلهم من الشيعة بينهم 300 طفل بسبب مواقفهم السياسية.

إن لم يكن هذا نموذجاً عمليا لعقيدة معاداة الشيعة أو الـ"أنتي - شيعيزم". فما هو إذاَ؟

وفقاً لتقرير نشر في وقت سابق بمجلة "التايم" الأمريكية فإن "التمييز ضد الشيعة في البحرين خطير وممنهج لدرجة تكفي لاعتماد مصطلح الفصل العنصري عند الحديث عنه". ومثل ذلك ترى منظمة "كريستشين سينس مونيتر" الدولية أن ما يجري في البحرين ما هو إلا "شكل من أشكال الفصل العنصري الطائفي".

لن ينتظر العالم كي تقتنع البحرين بأن ما تقوم به إزاء المواطنين الشيعة هو نوع من الـ"أنتي شيعيزم". هناك في واشنطن من استشعر بدقّة خطر اللعبة التي تلعبها العائلة الحاكمة البحرينية فأعطى ما تقوم به الاسم اللازم له بأنه تهديد جدّي لـ"أمن المنطقة". بقي على الصغير أن يكفّ يده إذاً.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus