أوبن ديموكراسي: عبد النبي العكري: انتفاضة البحرين وتحركها من أجل تغيير جذري

عبدالنبي العكري - موقع أوبن ديموكراسي - 2016-08-03 - 6:24 م

ترجمة مرآة البحرين

أدخلت انتفاضة البحرين في 14 فبراير/شباط 2011 تغييرات جذرية لدى الطّبقات السّياسية والجمهور بشكل عام. منذ البداية، وعلى نحو يزداد مع الوقت، كان هناك مستوى عالٍ من المشاركة من كل من الشّباب والنّساء في البحرين، بشكل ملحوظ، على كثير من المستويات.

دور الشّباب في البحرين

يُعتبر الشّباب البحريني عادة من قبل المؤسسات السّياسية وكذلك المنظمات الاجتماعية ساذجًا:  ويُنظَر إليه على أنّه بحاجة للرّعاية، ولا يمكن الوثوق به لاتخاذ قرار مهم أو القيام بمهام دقيقة. وعلى الرّغم من الكلام عن المستقبل الواعد لشباب البحرين، تم اتخاذ القليل من الإجراءات لإشراكهم في هذه المسؤوليات أو إعدادهم لها.

على الرّغم من ذلك، أولئك الذين تجمعوا في دوار اللؤلؤة في العام 2011، وكذلك في تظاهرات أخرى، كانوا بغالبيتهم من شباب البحرين. تمت دعوة الأفراد الأكبر سنًا في المجتمع، مثل زعماء المنظمات السّياسية والاجتماعية، للتّحدث في أماكن مختلفة، مع ذلك، نظّم الشّباب هذه النّشاطات وشكّلوا غالبيتها.

الشّباب ، الذين تصدّروا الحدث، أظهروا أيضًا فهمًا واسعًا للمفاهيم والممارسات التي يعتبرها أفراد الأجيال الأكبر سنًا أمرًا مفروغًا منه. وفي تعزيز منه لعمل حراك 14 فبراير/شباط من أجل التّغيير، عمل الشّباب البحريني بشكل مُجَدّد لإبراز الأفكار التّأسيسية للانتفاضة من خلال عدة قنوات للتّعبير. وكثيرًا ما عُهِد إليهم بمهام حيوية ومواقع مسؤولية داخل عدد من المنظمات المُقاوِمة. علاوة على ذلك، خلال التّظاهرات، دفع الشّباب البحريني الثّمن الحقيقي الأغلى: سقطوا شهداء، وتعرضوا للإصابات والاعتقال والملاحقة وحُكِم عليهم وخسروا وظائفهم.

دور النّساء

لطالما هُمِّشَت النّساء بشكل تقليدي في المجتمع البحريني. وهذا الأمر حقيقي، حتى في صفوف المنظمات التّقدمية المعارضة، سواء كانت إسلامية، أو علمانية. تم الاعتماد غالبًاعلى النّساء كقوة في قاعدة الأصوات، لكن نادرًا ما تم احترامهن كفاية كصانعات للقرار وكرموز في التّسلسل الهرمي.

لكن مشاركة النّساء في الاحتجاجات والتّظاهرات في دوار اللؤلؤة فاقت كل التّوقعات. النّساء شكّلن حوالي 35 بالمائة من المتظاهرين، على الرّغم من السّياق التّقليدي الذي لا يشجع النّساء على الاختلاط مع الرّجال.  وأهم من ذلك كانت مشاركتهن غير المسبوقة، لقد صعدت النّساء إلى المسرح وتوجّهن إلى الجمهور المختلط كخطيبات ومحاضرات وشاعرات ومنشدات ومنظمات وصانعات قرار.

للمرة الأولى في تاريخ انتفاضات البحرين، أصبحت النّساء شهيدات وسجينات ومعتقلات. النّاشطات والمحتجات تعرّضنَ لمعاملة وحشية من قبل قوات الأمن، وتم تعذيبهن أثناء الاحتجاز، وخضعن لظروف قاسية في السّجن ولمحاكمات صورية. تم الاعتداء على الكثيرات منهن جنسيًا. بعض الرّجال، أيضًا، هُدِّدوا بالاغتصاب، في حين هُدِّد آخرون باغتصاب الإناث في عوائلهم، بهدف الحصول على اعترافات. حتى أنّه تم توثيق هذه الأفعال في بعض الحالات من قبل فريق تصوير تلفزيوني، وعُرِضت مشاهد الاعترافات على التّلفزيون البحريني. بعض المشاهد استُخدِمت كنوع من الدعاية الإعلامية الرّامية إلى تشويه صورة المحتجين في الانتفاضة.

لقد خاطرت الكثير من النّساء الشّجاعات بالدّخول إلى المجال العام في مجتمع تقليدي يسيطر عليه الذّكور. القيمة الجديدة للتّضحية السّياسية تغلبت على تابو تشويه شرف الإناث. تم الاحتفاء بالشّهيدات، اللّواتي أُصِبن واعتُقِلن وحُكِم عليهن، على قدم المساواة، خلافًا للأعراف السّائدة. الشّاعرة الشّابة، آيات القرمزي، التي اعتُقِلت وعُذِّبَت وحوكمت وسُجِنَت، هي أيقونة الانتفاضة البحرينية.

على الرّغم من العيش في حالة من الرّهبة أثناء فترة السّلامة الوطنية المفروضة، تجرأت النّساء على الاحتجاج وعلى تحمل العبء الأكبر من هذا القمع.

وفي تحول مفاجئ، وضعت الجمعية الإسلامية المعارضة البارزة، الوفاق، كثيرًا من النّساء في الواجهة خلال مؤتمرها في مارس/آذار 2012. خمسة نساء، من أصل عشرين منصبًا في الإجمال، انتُخِبَن للمستوى الأعلى من القيادة، أي مجلس الشّورى. وقد قرّر المؤتمر أيضًا وضع النّساء على القائمة الانتخابية للجمعية، وأنّه عليهن المشاركة في الانتخابات، ما شكّل أيضًا تغييرًا حاسمًا عن اللّائحة الانتخابية السّابقة في العام 2010، التي لم يكن فيها أي مرشحة أنثى. وقد انتخبت الجمعية المعارضة العلمانية البارزة، وعد، الدّكتورة منيرة فخرو، لرئاسة لجنتها المركزية للمرة الأولى.

الإنجازات

تبين أن عددًا من الافتراضات في غير محله خلال الانتفاضة، بما في ذلك النّقاط التّالية:

  1. أنّ الانتفاضة استوجبت التّنظيم، في حين إنّه في الواقع، اندلعت شرارتها بشكل عفوي.

  2. أنّه تمّت قيادة الانتفاضة من قبل قادة سياسيين معروفين جيدًا، في حين أنّه في النّهاية، قادها أفراد مجهولون من شباب البحرين.

  3. أنّه كان للانتفاضة برنامج مفصل انطلقت منه، في حين أنّه في الواقع، اندلعت الانتفاضة ببساطة من شعار -وتبع برنامجها المُفَصل لاحقًا.

  4. أنّ الانتفاضة تتطلب اتفاقًا بين القوى السّياسية، في حين أنّها في الواقع بدأت من دون استشارات بين قوى المعارضة (على الرّغم من أنّه مع مرور الوقت، انخرط بعض أعضاء المنظمات الشّبابية في حوار مع قوى المعارضة).

  5. أن النّساء والشّباب سيشكلون الصّف الخلفي في الحراك، لكن -عند حصول الأمر-  كانوا في الصّفوف الأمامية للانتفاضة، والحراك الأوسع نطاقًا.

  6. أنّ البيانات والوثائق المكتوبة ستُشَكّل الوسائل الأساسية للتّعبير، في حين أنّه، خلال الانتفاضة، كانت وسائل مختلفة للتّعبير والتّواصل مفيدة، وتراوحت بين الوسائل الإلكترونية للتّواصل (الفايسبوك وتويتر والواتس آب) إلى التّمثيل والرّسم ورسوم الكرتون والشّعر وما إلى ذلك. وفي محاولة للتّغلب على احتكار الدّولة لوسائل الإعلام، ما شمل الصّحف والتّلفزيون والرّاديو، لجأت الانتفاضة إلى وسائل الإعلام البديلة. اليوم تستخدم جماعات المعارضة قناة فضائية "اللؤلؤة" وكذلك الصّحيفة الإلكترونية "مرآة البحرين".

  7. ردًا على تفكيك الحكومة لمعظم المنظمات الاجتماعية، من الكوادر الطبية إلى المحامين والصّحافيين والكُتّاب، ومراقبتها للمنظمات المستقلة في المجتمع المدني، أسس المعارضون  منظمات غير مرخصة من دون نوايا معلنة، واستخدموا وسائل إلكترونية، مثل منظمة بن ولجنة الأطباء ومنظمة الصّحافيين البحرينيين ومركز البحرين للحقوق. وهي منظمات فاعلة جدًا داخل وخارج البلاد، وحاصلة على اعتراف ودعم الجهات والشّركاء الدّوليين.

  8. كما هو الحال في أي "دولة ريعية" تقليدية، فإن الشّعب البحريني يعتمد جدًا على الدّولة  بهدف البقاء. ولكن في وجه كتلة العقوبات التي تُفرَض  على الغالبية الشّيعية في البلاد، بما في ذلك الخنق الاقتصادي، لجأ المجتمع البحريني في النهاية إلى ممارسة التّضامن والاعتماد على الذّات. وبرز عدد من المشاريع الصّغيرة كنتيجة لذلك، بحيث لا يمكن تجاهلها، و-بخلاف توقعات أولئك في السّلطة، بأنّهم سينجحون في السّيطرة على المجتمع وإضعاف المعارضة، مجبِرين إياها على الاستسلام- فإن كلًا من المجتمع نفسه، وقوى المقاومة، برزوا بشكل أقوى من ذي قبل من محنهم النّسبية، وأكثر اتحادًا، وعازمين على عدم العودة إلى الحياة كما كانت قبل 14 فبراير/شباط 2011.

مجتمع أكثر قوة

في تقييم فترة ما بعد الربيع العربي، تمت الإشارة كثيرًا إلى المتنافسين السّياسيين نفسهم (الإسلاميون، العلمانيون، المحافظون، الأصوليون وما إلى ذلك) لكن التّغييرات المأساوية التي تجذّرت كانت التّغييرات في المفاهيم الذّهنية.

التّاريخ: 26 يوليو/تموز 2016

النّص الأصلي

 

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus