جورجيو كافييرو: هل يمكن للبحرين الاعتماد على موسكو لتحلّ مكان واشنطن؟

جورجيو كافييرو - موقع المونيتور - 2016-07-25 - 6:16 م

ترجمة مرآة البحرين

منذ العام 2011، ركّزت الكثير من التّحليلات حول البحرين على قمع أنشطة الربيع العربي والوجود الأميركي العسكري في المملكة ودور المنامة في الحرب الجيوطائفيّة الباردة  بين السّعودية وإيران. على الرّغم من ذلك، قلّت النّقاشات على نحو ذي مغزى، حول التّخطيط الطّويل الأمد للبحرين بشأن سياساتها الخارجيّة.

وعلى خطى الدّول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، التي عانت من التّراجع النّسبي لنفوذ الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، استكشفت البحرين علاقات أكثر عمقًا مع قوى عالمية أخرى. ويرى المسؤولون في المنامة أنّ دعم الولايات المتّحدة للاتفاق النووي مع إيران ترك دول التعاون الخليجي في موقع  يزداد ضعفًا تجاه النفوذ الإيراني-الشّيعي في المنطقة.

وفي الوقت ذاته، تُغضب انتقادات واشنطن لقضايا حقوق الإنسان حكّام المملكة. ويُبرِز مثل هذا التّوتر في العلاقات بين المنامة وواشنطن السّياق الذي تُقَلل فيه  البحرين خساراتها  ببطء بعيدًا عن الولايات المتّحدة. وبالتّالي، يُسلّط نمو العلاقات بين البحرين وروسيا الضّوء على الدّور المهم الّذي يمكن لموسكو لعبه في عملية عملية صنع القرار في السّياسة الخارجية للمنامة.

زيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للرّئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في مقر إقامته في سوتشي في فبراير/شباط حملت الكثير من الرّمزية وأبرزت أنّ المدى، الذي ترى من خلاله موسكو والمنامة الشّرق الأوسط المُضطّرب، ينطلق من رؤية مشتركة. تبادل الحاكمان الهدايا، فأهدى بوتين حصانًا لحاكم البحرين ، في حين قدّم حمد للرّئيس الرّوسي سيفًا مصنوعًا من الحديد الدّمشقي، وصفه الملك بـ "سيف النّصر ... للنّصر القريب بإذن الله".

ويرى البعض في هذه الكلمات إشارة على دعم البحرين للتّدخل العسكري الرّوسي المباشر في سوريا، الأمر الّذي تطرّق إليه كلّ من بوتين وحمد. وبعد لقاء الحاكمين بفترة وجيزة، قال وزير الخارجيّة الروسي سيرجي لافروف إنّ "كلًا من روسيا والبحرين تريدان رؤية سوريا مستقرّة، كدولة تُعَزّز فيها أسس الدّولة العلمانيّة، وكدولة تضمن سلامتها الإقليمية في إطار عمل يشمل ضمان حقوق مواطنيها كلّهم، من دون استثناء".

وبالإضافة إلى سوريا، تتفّق البحرين وروسيا على أمور أخرى؛ فكلاهما تدعمان الحكومة المصرية الحاليّة وتبغضان الجهود التي تبذلها الولايات المتّحدة "للتّرويج للديمقراطيّة" في الشّرق الأوسط".

في أبريل/نيسان 2014، وقّعت البحرين وروسيا على صفقات استثمار، على الرّغم من  فرض عقوبات اقتصادية من قبل كل من واشنطن وبروكسل على روسيا على خلفية نشاطاتها في أوكرانيا. البحرين عدّلت كذلك سياسة تأشيرات الدّخول بهدف جذب رجال الأعمال الرّوس إلى الجزيرة، وقد وافقت طيران الخليج، وهي شركة الطيران الرّسمية في المملكة،، على فتح خط طيران جديد مباشر بين المنامة وموسكو.  الأمر الذي شكّل صدمة لواشنطن.

وقال مسؤول في وزارة الخارجيّة الأمريكية إنّه "مع مواصلة روسيا جهودها لزعزعة استقرار أوكرانيا، ليس هذا الوقت المناسب لأيّ دولة لعقد صفقات كالمعتاد مع روسيا". وأضاف أنّه "أثرنا هذه  المخاوف مع الحكومة البحرينيّة".

انتقادات واشنطن لسجل البحرين في قمع المعارضة السّياسية، بالإضافة إلى سياسات إدارة أوباما تجاه إيران، جعلت حكام الجزيرة يُشَككون بالتزام الولايات المتّحدة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى النّقيض من الولايات المتّحدة، الّتي جمّدت جزئيًا دعمها العسكري السّنوي لمصر الذي تبلغ قيمته 1.3 مليار دولار أمريكي، في أعقاب قمع الأخيرة لحركة الإخوان المسلمين في العام 2013، لا تربط روسيا بين صفقات الأسلحة والمساءلة في مجال حقوق الإنسان. وعلى نحو مماثل، ليس من عادة الكرملين إدانة الحكم الدّكتاتوري في أيّ منطقة من العالم. وفي هذا السياق، جعلت روسيا  من نفسها شريكًا جاذبًا وموثوقًا للبحرين.

وبعد فترة قصيرة من بدء انتفاضة الربيع العربي في البحرين في العام 2011، باعت موسكو الأسلحة للمنامة للمرّة الأولى. والإعلان عن أن شركة روسوبورون إكسبورت، وهي شركة أسلحة تملكها الدّولة، يمكن لها عقد صفقات  أسلحة  مع البحرين، جاء بعد حوالي 6 أشهر من من حظر كلّ من المملكة المتّحدة وفرنسا بيع الأسلحة للبحرين، كردّة فعل على قمع الأخيرة للمتظاهرين. وشملت الصّفقة الأولى لأسلحة روسوبورون إكسبورت إلى البحرين بنادق كلاشينكوف AK-103، وقاذفات قنابل وعتادًا عسكريًا. كما نظّمت شركة الأسلحة الرّوسية أيضًا برنامجًا تدريبيًا وتجهيزيًا لقوّات الدفاع البحرينيّة، ما زال فعالًا حتى اليوم.

إنّ توقيت وطبيعة  الصّفقة مع روسوبورون إكسبورت  يسلطان الضّوء على اهتمام روسيا بالدّخول إلى أسواق الأسلحة في الجزيرة العربيّة، وهي أسواق لطالما سيطرت عليها الدول الغربيّة في التّاريخ المعاصر. وفي ظلّ الأزمة السياسيّة المستمرّة في البحرين - التي تفاقمت مؤخرًا بعد إلغاء المنامة لجنسية آية الله الشيخ عيسى قاسم على خلفيّة ما  دعته بـالتطرف الطائفي - من المرّجح أن تجد موسكو في الجزيرة سوقًا مُربحة للأسلحة الصغيرة في المستقبل القريب.

الفيل في الغرفة هنا هو المملكة العربية السعودية، حيث إنّ اختلاف الرّياض وموسكو بشأن سوريا يُعَقّد الآفاق  في وجه علاقات بحرينية روسية أكثر عمقًا. وبسبب الاضطرابات السّياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى الرّكود الاقتصادي في الجزيرة، تزايَد اعتماد المنامة على المساعدات المالية والأمنية من السعودية. ووفقًا لكثير من المراقبين، تتحكّم الرّياض بالبحرين، مع نظر بعض المحاورين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى المملكة على أنّها عمليًّا محافظة وأرخبيل سعوديّ.

قبل يومين من اجتماع حمد وبوتين في سوتشي في فبراير/شباط، صرّح الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، سفير المنامة في لندن، أن البحرين ستقوم بنشر قوات برية في سوريا "بالتّنسيق مع السّعوديين" لمحاربة الدولة الإسلامية و "ونظام [بشار] الأسد الوحشي". وعلى الرّغم من أن كثيرًا من المُحَللين رفضوا مثل هذا الخطاب واعتبروه بمثابة تهديد أجوف ضد الأسد يهدف إلى إرضاء أنصار السّعودية في البحرين، إلّا أنّ كلمات فواز كانت كافية للتّشديد على كيفية  تأثير اختلاف أجندات القوى المتنافسة في سوريا على العلاقات البحرينية الروسية، نظرًا لنفوذ الرّياض في المنامة وطبيعة الأزمة السورية التّي يبدو أنّه لا نهاية لها.

بالتّطلع إلى المستقبل، ستواجه العلاقة المتنامية بين روسيا والبحرين مجموعة من العقبات، أهمها الأجندات المتعارضة لدول مجلس التعاون الخليجي وموسكو بشأن سوريا. مع ذلك، تحمل إجراءات بوتين ضد أعداء الأسد رسالة قوية عن عزم موسكو على سحق المتطرفين الإسلاميين السنة، العاملين في بلاد الشّام، والسّعي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

وعلى الرّغم من أنّ تعاون روسيا مع القوى الشيعية الإيرانية والعراقية واللّبنانية في ساحات القتال في سوريا أضرّ بسمعة موسكو في أجزاء من العالم العربي السّني، إلّا أنّه كان لدول مجلس التعاون الخليجي سهم في تعميق مشاركة روسيا في الشرق الأوسط. ولاعتقادها أنّه لا يمكن تجاهل روسيا، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى توثيق شراكاتها مع موسكو في ظل تراجع ثقتها بواشنطن.

علاوة على ذلك، تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أنّ للعلاقة بين روسيا وإيران مشاكلها الخاصة. قد تسعى البحرين ودول عربيّة سنيّة أخرى إلى استخدام علاقات دفاعيّة واقتصادية أكثر عمقًا مع روسيا لجذب موسكو بعيدًا عن طهران، وربما وضع الكرملين  كوسيط فعّال في النّزاعات العربية الخليجيّة - الإيرانية. وفي يناير/كانون الثّاني، كانت هناك مؤشّرات على سعي روسيا إلى هذا الدور، بعد أن أعلنت مصادر دبلوماسية في موسكو استعدادها لتكون وسيطًا بين الرّياض وطهران، وذلك في أعقاب إعدام السّعودية لرجل الدّين الشّيعي البارز الشّيخ نمر النّمر.

في نهاية المطاف،  في حال توصّل السّعوديون إلى رؤية روسيا على أنّها وسيط مناسب في منطقة الشّرق الأوسط، ستتوفر للعلاقات البحرينية-الرّوسية القدرة على الازدهار، نظرًا لتداخل المصالح بين المنامة وموسكو. مع ذلك، إذا رأى السعوديون في روسيا حليفًا لإيران - في وقت تواصل فيه الحدة الطّائفية و وانعدام الاستقرار الجيوسياسي مفاقمة التّنافس السّعودي-الإيراني - فإنّ قدرة البحرين على اللّجوء إلى موسكو لملء مكان الحلفاء الغربيين التّقليديين للمنامة، قد تكون محدودة نوعًا ما.

التّاريخ: 8  يوليو/تموز 2016

النّص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus