عندما يُصبح علم البحرين "جريمة"!!

2012-02-05 - 8:41 ص


ناصر زين*

منذ أن انطلقت ثورة الرابع عشر من فبراير في البحرين واندلعت الاحتجاجات الجماهيرية العارمة المستمرة حتى الآن، تميزت الثورة بعدّة سِمات دون سواها من الثورات العربية ضمن نسائم الربيع العربي، كان أبرزها سِمتان، سِمة السلمية الحضارية (المفرطة) التي أبهرت العالم وكسبت احترامه ولازال الحراك يصر عليها، والسِمة الأخرى هي كثرة الأعلام البحرينية التي ترتفع في أيدي المحتجين - التي تنضح ولاء للوطن - في مسيراتهم المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

بدءاً من أول يوم اشتعلت فيه شرارة الثورة استلهاماً من بواعث ثورات الربيع العربي، شهد العالم الحر والمجتمع الدولي والشعوب المستضعفة والمواطن البحريني المنصف والمراقبون مدى الالتزام بسلمية الحراك الثوري المطلبي في البحرين رغم آلة القمع الهمجية التي تتصدى لكل ما هو حضاري ببطش ووحشية.

ففي ذلك اليوم، لا يستطيع المراقب  إلا أن يُذهل حينما يرى الموقف السلمي الحضاري الذي قام به المتظاهرون في احتجاجاتهم  في المنطقة الواقعة بين بلدتي جدحفص والسنابس – بحسب ما أظهرته إحدى الصور المشفوعة بخبرٍ نشرته صحيفة الوسط البحرينية حينذاك -  حينما تركتْ قوات مكافحة الشغب سيارة الشرطة للمتظاهرين (تعمداً) بغية اقتناص الفرصة لتشويه الحراك السلمي ووأده في بداياته، ولكن المتظاهرين السلميين اكتشفوا الخطة، فبدلاً من أن يقوموا بتكسيرها مثلاً أو إحراقها – في أوج غضبهم بعد شياع خبر استشهاد على مشيمع  – عمدوا إلى وضع علم البحرين عليها يرفرف وتداعبه نسائم الوطن المتعبة، وانصرفوا عنها دون إحداث أي ضرر فيها مجسدين بذلك مدى سلمية وحضارية هدا الشعب الواعي في حراكه.


لكن من المفارقة العجيبة/الحقيقة المزعجة لكل مواطن يعشق تراب البحرين وكأنه عُجن من طينته، وتمثل عاراً على جبين السلطة التي توظف في أجهزتها الأمنية الأجانب والمرتزقة وتحرم المواطن البحريني الأصلي من ذلك، هو حينما نشاهد – في فلم انتشر على (اليوتيوب) كالنار في الهشيم  – قيام أحد أفراد (قوات الأمن) بنزع علم الوطن الذي وضعه المتظاهرون على ذلك "الجيب" وإلقائه في الأرض والمرور عليه تعمداً، في حين أنه على الأقل - وفي أسوء الأحوال - كان يجب على رجل الأمن هذا أن يقوم بإزالته ووضعه في السيارة كونه يمثل رمزاً للوطن بدلاً من رميه على الأرض، الأمر الذي يدلل على مدى اعتزاز هؤلاء الأجانب برمز الوطن وهويته وشموخه وولائهم إليه، وليس الولاء للمال والمنصب والسلطة.

مشهدان متناقضان، حينما تعمل يد على رفع علم وطنها عالياً ليرفرف في سماء الولاء، ويد أخرى (أجنبية) – تعمل في (الشرطة الوطنية) -  ترمي بالعلم في التراب وتدوسه وتهينه أمام أعين (أبناء العلم). !!

ولكن من الأمور المخزية أكثر ضمن حماقات/ انتهاكات السلطات البحرينية بجيشها وقواتها الأمنية في إطار الحراك المطلبي في ربيع الثورة، هي ما سنته ضد المتظاهرين السلميين والمواطنين عموماً من عقاب وتنكيل في الشارع على كل من يحمل (علم الوطن) معه، سواء في مظاهراته ومسيراته السلمية أو يضعه حتى في سيارته، فيكون مصيره أما الضرب والتنكيل والشتم (على الهوية المذهبية) أو ربما الاعتقال التعسفي في أحايين كثيرة، وكأنه يحمل معه ( كلاشنكوف ) بغية ارتكاب الجرائم، وليس علم بلاده الذي يعتز به رمزا لوطنيته وولائه لتراب أرضه. !!


ولأن ثورة البحرين تميزت بهاتين السِمتين اللتين كانتا تحرجان السلطة وتعكسان مدى سلمية وحضارية و(ولائية) هذه الحركة المطلبية لتراب وطنها المزروع في دمها، عمدت السلطة – عبر أبواقها الإعلامية وشاشاتها التحريضية الطائفية – على تشويه صورة الحراك السلمي من هاتين الناحيتين، بحيث حاولت بشتى السبل أن تخرج الحراك المطلبي عن إطاره السلمي وتصوره بأنه انزياح نحو العنف بكثرة المسرحيات الأمنية التي كانت تخرجها بشكل (غبي).

 أو عبر محاولاتها بما استطاعت من تزيف للحقيقة بأن تظهر أن لدى الثوار والحراك أجندة غير وطنية وعلم غير وطني ذي اثنتي عشرة سنا (علم الدولة المهدوية الاثنتي عشرية) بحسب تخرصات وأوهام السلطة التي أردت أن تزرعها في عقول المراقبين والمجتمع الدولي ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك.


بل حتى هذا الوهم (الغبي) الذي أردت السلطة وأجهزتها الأمنية وأبواقها الإعلامية أن تحشوه في عقول الأغبياء، هي وأجهزتها ومناصريها وقعوا فيه سواء في السابق أو بعد اندلاع الثورة، فتجد مثلا بعض الأعلام (الاثنتي عشرية) مرفوعة في بعض تجمعات (تجمع الوحدة الوطنية) في حراكه المضاد للحراك الوطني المطلبي. !!

 وتجد وزارة التنمية الاجتماعية و(حقوق الإنسان) – بحسب مسماها الرسمي – توزع على المواطنين أعلاماً (اثني عشري) ضمن احتفالاتها "الوطنية" بالعيد "الوطني" قبل أن تعتذر عن هذا الخطأ (غير المقصود) في إحدى الصحف المحلية لحفظ ماء الوجه والفضيحة!!،

وتجد أيضاً صورة مشهورة لملك البحرين نفسه وهو يرفع علما (اثنا عشريا) في وقت سابق بإستاد البحرين الدولي ضمن الاحتفال بالعيد الوطني.

والأدهى والأمر، حينما حاولوا أيضا – عبر أصابع خفيَة – أن يزرعوا هذا الوهم (الاثني عشري) حتى في تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق (تقرير بسيوني) في نسخته العربية خلافا  لما في نسخته الانجليزية عبر ترجمة (مدسوسة) متعمدة، فادّعوا أن الأطباء كانوا يرفعون هذا العلم  في احتجاجاتهم، حتى عمد بسيوني نفسه ولجنته إلى تغيير ترجمة التقرير مجددا في نسخته العربية وحذف هذا الهراء.

صحافي بحريني*

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus