السّعودية تدفع البحرين مجددًا إلى دائرة الضّوء الدّولية

جستن غينغلر - مدونة الدّين والسّياسة في البحرين - 2016-03-08 - 7:39 م

ترجمة مرآة البحرين

غبت لفترة من الزمن، ولكنّي تمكّنت من تدبّر بضع دقائق لأنشر مقالًا هنا، تأكيدًا بأنّي لم أمت ولم أنضم إلى وكالة الاستخبارات المركزية وأدّيت يمين الصّمت...

في الواقع، ما دفعني لكتابة المقال بشكل رئيسي هو عودة مصدر آخر للتّعليق بشأن البحرين للظّهور بعد غياب طويل، وتحديدًا جماعة الضّغط "مواطنون من أجل البحرين"، بعد غياب طويل. هذه الجماعة من البحرينيين الموالين للحكومة و/أو موظفي شركات العلاقات العامة الغربية، الّذين كانت قوائم بريدهم الالكتروني وغيرها من ماكينات النّشر التّابعة لهم فاعلة للغاية في الفترة السابقة للانتخابات النّيابية في الخريف الماضي وما تلاها، كانت غير ناشطة في الآونة الأخيرة نسبيًا. أرسلت هذه المجموعة أكثر من 100 بريد إلكتروني خلال العام 2014، على سبيل المثال، مقارنة بحوالى 20 فقط في العام 2015، وكان أغلبها في بداية العام.

مع ذلك، تلقيتُ ثلاثة رسائل في غضون أسبوع تقريبًا - واحدة تهاجم زعيم المعارضة البريطانية لانتقاده البحرين والسّعودية ("النّظام البحريني الدّيكتاتوري يغتال حركته الدّيمقراطية، مسلّحًا من قبلنا") في خطابه الرّئيسي الموجه إلى حزب العمال؛ الثّانية تهاجم إيران لانتقادها السّعودية في أعقاب حادث التّدافع المأساوي في الحج؛ والثّالثة تهاجم مارك أوين جونز والمؤلفين المشاركين لانتقادهم البحرين في كتاب جديد حرّره جونز ومجموعة من أعضاء بحرين ووتش. هل أكشف عن موضوع هنا؟

على نحو واضح، تجد البحرين نفسها في موقع تدقيق دولي غير مريح،  وتبذل ما في وسعها لدرء الانتقادات. ومع ذلك، تظهر هذه الحالة فارقًا مثيرًا للاهتمام أكثر من سابقاتها: لم يأتِ الضّغط الدّبلوماسي المتجدد نتيجة تقدّم البحرين نفسها، أو كنتيجة روتينية لاستضافة البحرين لأحداث سنوية بارزة كسباق الفورمولا 1 أو حوار المنامة. هنا، نستطيع أن نرى بوضوح أن تسليط الضّوء على البحرين هو تأثير جانبي لدائرة ضوء أكثر ضخامة تمّ تسليطها على السّعودية على خلفية تدخلها الكارثي في اليمن والانتشار المستمر لداعش والتّصاعد المتواصل في الحرب على سوريا بعد دخول روسيا في الصّراع، والأسئلة العامة حول إدارة المملكة وقيادتها بعد حادثين مميتين في الحج.

في الشّهر الماضي وحده، صُفِعت السّعودية بانتقاد رئيس الوزراء المستقبلي المحتمل لحليفها السياسي الأقوى، بريطانيا العظمى؛ وواجهت الاتهامات من قبل المسؤولين الإيرانيين والإندونيسيين وغيرهم حول طريقة تعاملها مع حادث التّدافع في منى، بما في ذلك تمويه عدد القتلى؛ وتفادت بأعجوبة (وبشكل مثير للجدل) قرارًا من الأمم المتحدة قدّمته هولندا يدعو إلى إجراء تحقيق دولي في الحرب على اليمن؛ ووفقًا لما نشره أمس موقع المونيتور، تواجه الآن معارضة من قبل أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشّيوخ الأميركي على خلفية صفقة أسلحة من شأنها إرسال ذخيرة إضافية موجهة بدقة (وأسلحة أخرى ذات تقنية عالية كتعويض عن الاتفاق النّووي الإيراني) إلى المملكة. وورد في المقال:

قال السّيناتور بن كاردين، العضو الدّيمقراطي البارز، للمونيتور "نحن قلقون إزاء عدم وجود حل عسكري في اليمن". وأضاف أن "ما نريد القيام به هو جمع الأطراف الجادة في تنفيذ حل سياسي. اعتقدنا أنه لدينا  مسار واضح لفعل ذلك، لكن الأمر خارج المسار الآن. نريد أن نعيده إليه".

وصف كاردين التّأخير بأنّه مسألة روتينية قانونية حيث يضغط المشرعون والمسؤولون على الإدارة للحصول على إجابات وتطمينات. ومع ذلك، مع ذلك، أوضح مع غيره أنّ أعضاء مجلس الشّيوخ في اللّجنة وخصوصًا الدّيمقراطيين، لديهم مجموعة اهتمامات واسعة يريدون أن تتم معالجتها.

وأقرّ أحد المساعدين الدّيمقراطيين لمجلس الشّيوخ بأن "هذا الاقتراح يلقى مستوى هام من التّدقيق في الكونغرس".

وكانت مجموعة من جماعات مراقبة حقوق الإنسان والأسلحة يعمل وراء الكواليس لأسابيع في محاولة لدفع المشرّعين لانتقاد الحملة الجوية الّتي تقودها السّعودية في اليمن، والّتي ألقي اللّوم عليها في مقتل أكثر من 2300 مدنيًا في الأشهر السّتة الماضية. وقد ظهرت رسالتهم للعلن في 6 أكتوبر/تشرين الأول خلال جلسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشّيوخ حول اليمن الّتي شهدت مساءلة العديد من الدّيمقراطيين حول الجدوى من إعادة تسليح السّعوديين.

وقال السّيناتور إد ماركي إنّه يخشى "من أن فشلنا في تأييد الدّبلوماسية بقوة في اليمن على مدى العامين الماضيين، إلى جانب فشلنا في الحثّ على ضبط النّفس في مواجهة الأزمة في الرّبيع الماضي، يمكن أن يضع جدوى هذه الشّراكة [الأميركية - السعودية] الحيوية في خطر". وأضاف " يحظر قانون ليهي المساعدة الأمنية الأميركية - وعددًا من أشكال التّعاون في مجال الدّفاع - مع القوى الّتي شاركت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إذا كانت التّقارير صحيحة، فإنّ استهداف السّعودية العشوائي ضمن الحملة الجوية والحصار البحري الواسع يمكن أن يشكّل مثل هذه الانتهاكات".

وإذا لم يكن هذا سببًا كافيًا للقلق، فقد شهد الأسبوع الماضي تغطية واسعة النّطاق وإبلاغًا عن رسالتين صاغهما مجهول من العائلة المالكة السّعودية وتمّ تداولهما بين كبار أفراد الأسرة كشفتا عن انشقاق ملحوظ داخل أسرة آل سعود حول قيادة الملك سلمان وابنه. لخّص مقال نُشِر في مدونة فورين بوليسي أمس المزاج شبه المروع بشكل لطيف: "لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تبدأ القلق بشأن انهيار سعودي".

إذًا، على هذه الخلفية،قد انقلبت العلاقات الدّبلوماسية التّقليدية بين البحرين والسّعودية، والّتي تدافع فيها الأخيرة عن الأولى، رأسًا على عقب. وقد أعلن الملك حمد في سبتمبر/أيلول الماضي، في استعراض لدعم الحرب على اليمن، انضمام ولديه ناصر وخالد للمعركة. (زعمت بعض وكالات الأنباء الموالية لإيران أنّ خالد قد أصيب أو حتى قُتِل في هجوم صاروخي للحوثيين في مأرب).

وانتقدت البحرين بشكل صاخب اقتراحات قدمتها إيران ودول أخرى لتدويل موسم الحج (وبالتالي تجريد السّعودية من خزان ديني كبير وإيرادات سياحية) بتسليم الإشراف على المدن الإسلامية المقدسة إلى سلطة محايدة. في الواقع، طرد البحرين للسّفير الإيراني في 1 أكتوبر/تشرين الأول على خلفية اكتشاف مستودع أسلحة للمعارضة مرتبط بإيران، يوحي بأنّه كان ردًا على دورها في الحفاظ على الضّغوط الدّبلوماسية على السّعودية. على سبيل المثال، هذا النّصّ الّذي فصّلت فيه وكالة أنباء البحرين مناقشة مجلس الشّورى لـ "التّدخل [و] التّهديد الإيراني" وخصّصت فيه ثلاثة فقرات من أصل ستّة للتّصريحات الإيرانيّة [الّتي] تحمل تهديدات لدول مجلس التّعاون الخليجي، [على سبيل المثال] تصريحات القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية علي الخامنئي في 30 سبتمبر/أيلول خلال حفل تخريج ضباط والّتي استهدفت السّعودية بعد حادثة التّدافع في منى أثناء الحج.

عبّرت اللّجنة عن رفضها القاطع لتلك البيانات التّشهيرية الّتي لا تظهر أي إحترام للدّور الرّئيسي الّذي تؤديه السّعودية في خدمة الحجاج وتسهيل مناسكهم. وأضافت أنّ التّصريحات الإيرانية تمثّل تهديدًا صريحًا لزرع الفتنة من خلال نشر المغالطات.

وشدّدت اللّجنة على أنّ أمن السّعودية هو جزء من أمن البحرين الّذي يعتبر خطًا أحمر، مضيفة أنّ هذه المحاولات لن تنجح أبدًا في زعزعة استقرار المنطقة و سيكون مصير محاولات إيران لفرض الهيمنة على المنطقة بأسرها الفشل بفضل وعي شعب دول مجلس التّعاون الخليجي الكبير وتصميمه وإيمانه بعروبة المنطقة وحكمة قادتها.

ومن الجدير بالذّكر أيضًا، أنّ ممثلًا آخر للسّعودية، أي اليمن، قطع العلاقات الدّبلوماسية مع إيران في الوقت نفسه تقريبًا، على خلفية التّورط الإيراني المزعوم في تسليح وتدريب المعارضة هناك. بعد عدة أيام، صرّح الأمير خالد بن سلطان، ابن شقيق الرّاحل سعود الفيصل، أمام جمهور في الكابيتول هيل أنّ "السّعوديين الّذين يقاتلون في اليمن أكّدوا وجود مقاتلين من إيران حزب الله" وحذّر بشكل أعم من "زيادة التّوغل الإيراني في شؤون الدّول الأخرى". في حين أنّ تعليقاته لا تمثّل الموقف الرّسمي للسّعودية، إلا أنّه من الصّعب التّصور أنها لن تُؤخذ على هذا النّحو.

بالتّالي، يبدو أنّه في مواجهة التّهديدات المتجدّدة من جميع الجوانب، تضاعف السّعودية تضييق الخناق على ما تعلمه: الاستراتيجية الطّائفية الّتي تتضمن الاتهامات والخوف النّاتج من تمكين الإيرانيين، أولًا، لتبرير الإجراءات غير المستساغة؛ ولكن الأهم من ذلك، لإقناع الحلفاء بأنّه لا يوجد خيار آخر سوى الدّعم المستمر للسّعودية في مواجهة البدائل المريعة. بعد خمس سنوات من بداية الانتفاضات العربية، يتساءل المرء عن مدى تمكن هذه الاستراتيجية من الصّمود.

التّاريخ: 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015

النّص الأصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus