الشيخ علي سلمان دون مرافعته: من هو ممنوع من سرد تاريخه، كيف له أن يدخل موضوعه؟

2015-05-21 - 7:18 م

مرآة البحرين (خاص): لم تتجاوز دقائق، لم يكد يبدأ أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان بمرافعته في جلسة 20 مايو 2015 عبر مدخل تاريخي حول المأزق البحريني، حتى قاطعه القاضي الظهراني: "بلا سرد تاريخي ولا مقدمات، ادخل في موضوعك". أجاب سلمان ما يؤكد أنه يسرد ما هو في صلب موضوعه قائلاً: "أنا متّهمٌ بهذا". أراد إكمال مرافعته فقاطعه الظهراني مرة أخرى وثالثة. وبأدب جمّ، علّق سلمان بعد تكرار المقاطعة: "المحكمة لا تريد سماعي". بحركة عصبية مفتعلة عُرف بها القاضي الظهراني، انتفض وغضب وراح يزبّد بكلام لم يفهمه الحاضرون. تم سحب الشيخ سلمان إلى خارج القاعة، قبل أن يصدر الظهراني قراره بحجز القضية حتى 16 يونيو القادم للنطق بالحكم. لم يُسمح لفريق الدفاع بتقديم دفوعاتهم. انتهت جلسة المرافعة التي ربما هي واحدة من أقصر جلسات المرافعة في العالم، إن لم تكن أقصرها على الإطلاق.

لم يدر بخلد سلمان أن هذا كل شيء، أن مرافعته التي أعدّها طيلة الأسابيع الماضية ليسجل شهادته التاريخية، وليحصل على أبسط حقوقه في درء التهم المنسوبة إليه، أنه منع عنها كما يمنع شديد الظمأ من قطرة ماء ليست ترويه، لكن تبلل ريقه. ظن سلمان أن الجلسة تم تأجيلها فقط، وأن حقه في مرافعته قد أُجل مع الجلسة، لم يظن أنها سلبت من بين يده هكذا في نوبة غضب مبالغ فيها، أو مفتعلة بكاملها.

فريق الدفاع احتاج لوقت كي يفيق من صدمة ما حدث في الجلسة. المحامي حسن رضي قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده فريق الدفاع في مقر جمعية الوفاق بعد الجلسة: "لا ندري كيف نبدأ، لأنه قد نحتاج لبعض الوقت لنفيق من الصدمة والمفاجأة التي فوجئنا بها في جلسة المحكمة اليوم، سارت الأمور نهائيا على غير المتوقع، وأدت بقرار مفاجئ من المحكمة انتهى برفض تقديمنا لأي دفاع أو بينة للشيخ علي سلمان".

المحامية جليلة السيد قالت إن: "القاضي اليوم لم يكن يريد أن يسمع من الشيخ علي سلمان ما كان يريد أن يقوله"، وأضافت: "الحقيقة كانت توجع وهناك من لا يسعفه أن تعرض الحقيقة في قاعة المحكمة".

هل كان الظهراني موجوداً في قاعة المحكمة اليوم ليسمع مرافعة علي سلمان؟ بل هل كان من الممكن للظهراني أن يسمح لهذه المرافعة أن تعرض الحقيقة في قاعة المحكمة، وأن تتداولها وسائل الاعلام الدولي والمحلي فيما بعد؟ بالطبع لا. فهو ابن رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني المقرّب من الحكم ورئيس الوزراء، وهو المعروف بعدائه السافر للمعارضين والمحاكمين السياسيين والتعامل معهم كخصوم لا كمتهمين.

وإذا كان واضحاً من سياق جلسات المحاكمة، أن المحكمة تسير باتجاه إدانة الشيخ علي سلمان بقرار أُمضي (من فوق)، فإنه لن يكون صعباً فهم لماذا قاطع القاضي الظهراني مرافعة سلمان بعصبية واضحة مرات ومرات، قبل أن يتخذ من قول الأخير:"المحكمة لا تريد سماعي"، حجة لإعلان غضبه ورفع الجلسة ومنعه من تقديم مرافعته. وهي استراتيجية هروب يستخدمها القاضي الظهراني في جميع محاكماته: "ما إن تجد نفسك في ورطة تفضح العدالة الزائفة التي تمثلها، سيكون عليك أن تغضب وترفع الجلسة، وينتهي كل شيء".

ليس هذا جديداً على القاضي الظهراني الذي يصفه المحامون متندرين بالأحمق الغضوب، فهو سريع الغضب والانفعال على كل ما يصدر من المحكومين السياسيين أو محاميهم. يربطها من يعرفه جيداً بضعف شخصيته وأدائه. معروف بضعف ثقته بنفسه، ويفتقد الكفاءة القانونية واللياقة الشخصية ومهارات التواصل. كما أنه معروف بضعف سنداته القانونية التي يصدر وفقها الأحكام القاسية ضد المتهمين السياسيين. وما مشاركته في محاكم السلامة الوطنية الغارقة في العارالتاريخي، إلا دليلاً على خلوه من العدالة، وارتهانه المطلق لحسابات السلطة وانتقاماتها وأوامرها.

لم يكن الظهراني في جلسة 20 مايو يريد أن يسمع مرافعة الشيخ علي سلمان، بل كان هناك من أجل منعها. لقد تم تأجيل الاستماع لهذه المرافعة 4 مرات خلال الجلسات السابقة. وعندما قاطعها الظهراني اليوم قائلاً: "بلا سرد تاريخي ولا مقدمات، ادخل في موضوعك"، كان يريد أن يقول للشيخ علي سلمان: اقتطع موضوعك من سياقه التاريخي ومن مقدماته الطبيعية، وإت به خاوياً مجرداً من المعنى، كما اقتطعنا نحن عباراتك من سياق خطبك، وأتينا بها محمّلة بما نريد من المعنى الذي اتهمناك به".

السرد التاريخي وعرض المقدمات هي موضوعات تهم القاضي الذي يريد أن يفهم التفاصيل الصغيرة قبل أن ينطق حكمه في القضايا الكبيرة، تهم القاضي الذي يريد أن يلم بكل شيء ويتمعّنه ويتدبره قبل أن ينطق حكمه المسؤول، أما الظهراني فهو خارج موضوع الفهم والتمعن والتدبر، وهو خارج موضوع العدالة، وهو خارج موضوع الشيخ علي سلمان وخارج موضوع الحقيقة، إنه داخل موضوع السلطة فقط.  أراد الظهراني أن يقول للشيخ سلمان: أنا لست هنا لأسمع مرافعتك، مرافعتك كلها خارج سياقي، أنا هنا من أجل أن أكمل جلساتي الصورية المقررة عليّ قبل أن أصدر حكمي المقرر عليك.

وحين أجاب الشيخ علي سلمان عليه: "أنا متهمٌ بهذا". كان يريد أن يقول إني متهم بهذا السياق المأزوم الذي لا يبرد إلا ليشتعل مجدداً، متّهم بالمقدمات التي ما زلنا نعيش أزماتها (احتكار السلطة والاستبداد والفساد والتمييز والتهميش والتجنيس). كيف يمكن لمن يعيش هذه الأزمات أن يدخل في موضوعه (الديمقراطية والعدالة والمساواة والشراكة في الحكم والمملكة الدستوية)؟

أراد سلمان أن يقول للظهراني: أنا متّهم بقضيتنا التي كلما أردنا أن نضع أيدينا على جرحها أتى لنا من هو مثلك ليقفز فوقها وليقول لنا "بلا تاريخ ولا مقدمات، ادخلوا في موضوعكم". وهل موضوعنا إلا هذا؟   أننا ممنوعون من سرد تاريخنا مع القبيلة وسرد غزوها وبطشها وتنكيلها الذي ما زال مستمراً فينا بتعنت أكبر؟ ومن هو ممنوع من سرد تاريخه، كيف له أن يسرد موضوعه؟


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus