في الذكرى الرابعة لاستشهاده، الشاهد على الصوت الأخير: أنا زكريا العشيري.. أعرف أنهم سيقتلوني

2015-04-11 - 5:25 م

مرآة البحرين (خاص): 4 سنوات مضت على قتل المدون البحريني الشهيد زكريا العشيري محتجزاً عند النظام البحريني إبان فترة الطوارئ الأسوأ في التاريخ البحريني. ما تزال شهادات رفقاء التعذيب حاضرة، يرددونها وكأنهم للتو يسمعون صوته يوم 9 ابريل 2011 وهو يصيح: "الحمد لله"، قبل أن يسمعوا رعصة اختناقته الأخيرة. وما يزال قاتلوه أحراراً يواصلون تعذيبهم بحرية وبحماية مكفولة ومدفوع ثمنها.

في الذكرى الرابعة لاستشهاده، يقدم عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان محمد سلطان شهادته التي يشعر بواجبه في نشرها وتحريكها، فالجريمة التي وثقها تقرير لجنة تقصي الحقائق وأوصى بالتحقيق الجاد فيها ومعاقبة مرتكبيها، لم تجد حتى الآن من النظام البحريني سوى الاستخفاف. خمسة من الشرطة باكستاني الأصل تم تقديمهم لمحاكمة صورية تحت عنوان تهمة قتل العشيري، وتم تبرأتهم منها من قبل القضاء البحريني الصوري هو الآخر.

يقول سلطان مقدماً لشهادته: "شبح الشهيد زكريا العشيري يطاردني، أشعر أن علي واجب تجاهه". ثم يبدأ سرد قصة الشهادة "ربط أعين المعتقلين بالصمادات لفترة طويلة، تسبب حالات من فقد التركيز والهلوسة والتخيل، هذا ما تعرضنا له جميعنا بدرجات"، يكمل: " لقد كنت من أوائل من تم اعتقالي إثر احتجاجات 2011 مع الرموز، لهذا قضينا في مبنى التحقيقات فترة طويلة حوالي شهرين. أصابتني حالة من عدم التركيز والتخيل هناك، لكني استطعت التغلب عليها فيما بعد، صرت أنظر للأرض بدلاً من النظر من خلال القماش المعصوبة به عيني. النظر من خلال القماش يجعلك ترى ما هو غير واقعي وتتخيل ما هو غير حقيقي وكأنك تراه. النظر إلى الأرض يجعلك تحافظ على وعيك وحواسك بشكل أفضل".

يضيف سلطان: "عندما نقلوني من التحقيقات إلى سجن الحوض الجاف، لم أستطع تدارك وعيي والتركيز إلا في اليوم التالي، كل من يأتون بهم يعانون من المشكلة نفسها".

بخصوص حادثة قتل الشهيد زكريا العشيري يقول سلطان: " في يوم 9 ابريل 2011، كنا مصمدين ومقيدين جميعنا، سمعنا شخصاً يقول: "شرطي شرطي افتح لي الباب بروح إجازة يومين وبرجع". وكان يبدو أنه واقف يتحرّك داخل الزنزانة. الشرطي الباكستاني صرخ عليه: "أسكت حمار". نادى الشخص مرة أخرى بعد قليل: "شرطي زوجتي برة الباب بس بروح أشوفها وأرجع"، كان واضحاً أن هذا الشخص يعاني من هلوسة أثر التعذيب والضرب وتصميد العين بالشكل الذي أشرت إليه لمدة طويلة. غضب الشرطي وقال: "ما يسكت ها حمار واحد". سمعنا صوتهم يدخلون عليه ويقومون بضربه. وكأن الشخص استعاد وعيه فكان يقول كلما ضربوه: "الحمد لله".

يكمل سلطان: صرخ صاحب الصوت لكي نسمعه: "أنا زكريا العشيري".. كرر اسمه مرتين، ثم قال: "سلموا على زوجتي وأولادي، أعرف أنهم لن يتركوني وسيقتلوني". يقول سلطان: "حينها شعرت بصدمة وكأني أفقت من غيبوبة. رحت أكرر إسمه وأردده كي أحفظه وأنا أقول في داخلي: هل فعلاً سيموت هذا الرجل؟".

"لم تمض سوى دقائق حتى أتوا بأعداد أكبر، كان ذلك واضحاً من صوت خطوات الأرجل، قاموا بالدخول عليه وضربه، وأعتقد أنهم خنقوه، لأني سمعت صوت قراطيس أو كيس، وبعد هذا كان صوت العشيري يتلوى مختنقاً. بعدها بدقائق سمعنا صوت شرطي باكستاني يقول: مركيا (أي مات). ثم عم الهدوء المطبق في العنبر".

"كنت سريع النسيان بسبب الضرب الذي تلقيته على رأسي. كان مطلوباً من كل معتقل حين يسأل عن اسمه أن يجيب بالاسم الذي يطلقونه هم عليه. فإذا أجاب باسمه يتم ضربه. عندما يسألوني عن اسمي وأقول محمد سلطان أُضرب. كان مطلوباً مني أن أقول: أنا "موذر شوت"، وهي كلمة قذرة باللغة الباكستانية. لم أحفظ الكلمة بسهولة وكنت أنساها دائماً فكان الضرب نصيبي. لذا رحت أكررها طوال الوقت كي لا أنساها مجدداً. عندما ذكر زكريا العشيري اسمه، صرت أردد اسمه بدلاً من تلك الكلمة، أردده طوال الوقت كي لا أنساه، قلت فليضربوني كما شاؤوا".

يكمل سلطان: "بعد قتل الشهيد العشيري، شهدنا حالة استنفار واسعة في السجن، أُبقينا طوال اليوم بلا طعام ولا شراب، في الليلة ذاتها، جاؤونا ونزعوا عنا الصمامات، وفكو القيود، تم نقلنا إلى زنزانة أخرى، وتغيرت المعاملة نسبياً. لقد كان الشهيدان زكريا العشيري وعلي صقر قرابين فرج نسبي (من ناحية التعذيب والضرب) لباقي المعتقلين السياسيين في تلك الفترة". يضيف سلطان: " لقد قدمت شهادتي عند لجنة تقصي الحقائق وقلتها في المحكمة".

تقرير لجنة تقصي الحقائق في فقرته (99)، لفت أن الطب الشرعي انتهى إلى وجود كدمات عريضة على رقبة زكريا العشيري. وفي التفاصيل أفاد بأنه في تمام الساعة 9:00 صباح يوم (9 أبريل 2011)، أعلنت وفاة زكريا العشيري، حيث ورد بشهادة الوفاة أن الوفاة كانت نتيجة سكتة قلبية شديدة وتوقف التنفس عقب مضاعفات بسبب أنيميا خلايا الدم المنجلية. وأكد تقرير الطب الشرعي سبب الوفاة، وانتهى إلى أنه قد بدت آثار كدمات عريضة على رقبة المتوفى وفخذيه وكدمات أصغر على الوجه واليدين.

وبيّنت اللجنة في الفقرة (999) من التقرير أنه وفقاً للمعلومات التي تلقتها اللجنة، فقد ألقت قوات الأمن القبض على زكريا راشد يوم (2 أبريل 2011)، حيث دخلوا بيت أهله وحطموا الباب. وادعى أنه تعرض للتعذيب في إدارة التحقيقات الجنائية.

ثم نقل بعد ذلك إلى سجن الحوض الجاف بتاريخ (9 أبريل 2011)، حيث تعرض للتعذيب (من 6 إلى 9 أبريل 2011)، وتوفي بسبب التعذيب في الغرفة رقم (1). ولقد علم أقرباؤه بخبر وفاته من موقع وزارة الداخلية الإلكتروني يوم (9 أبريل).

وبعد ذلك، حاول الأقرباء الاتصال بقسم الشرطة القريب من القرية، لكن أحداً لم يجب عليهم، ثم اتصلوا بعد ذلك بوزارة الداخلية التي أخبرتهم بوفاة زكريا أثناء نومه نتيجة أنيميا خلايا الدم المنجلية، ولقد أفاد أقرباؤه بأنه لم يصب بهذا المرض من قبل.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus