مشروع ولي العهد الجديد "توافقات الأعيان" بدل توافقات "الجمعيات السياسية"

2014-09-18 - 7:00 م

مرآة البحرين (خاص): اختار ولي العهد لفظاً دقيقاً لوصف تحركاته الأخيرة: "توافقات الأعيان". هو لفظ جديد، يجري الزجّ به لأول مرة في السياق التداولي البحريني. في اللغة، الأعيان هم الوجهاء، وفي السياسة، هي النخبة "المصطنعة" التي يصطفيها الحاكم للاضطلاع بأدوار داخل النسق السياسي.

في الأردن يُدعى المجلس المعيّن من الملك "مجلس الأعيان"، يقابله بحرينيّاً "مجلس الشورى". أما في المغرب، فتلعب "العينية" دوراً في بناء "الوجاهة السياسية" وتدعيم حضور الدولة في المجتمع بصيغ شتى. إن السمة الأبرز لـ"الأعيان" تتلخص في "التعيين" الذي يكون الدافع وراءه "أصل نبيل" أو "إمكانات مالية" أو "رمزية دينية واجتماعية".

نستطيع طبقاً لذلك، أن نفهم معنى "توافقات الأعيان" الذي ألقى به وليّ العهد في السوق السياسي. هي أوّلاً، "توافقات" ليست توافقات، لأن التوافق يتطلب إجماعات واسعة بين الناس تمثل الاختيارات السياسيّة العامة. وهي ثانياً، "توافقات" أريد لها أن تكون مع "أعيان" لا يتوافرون على أية صفة تمثيليّة؛ بل 50 شخصاً منتقى بالاسم واللقب من السنة والشيعة.

كقبليّ (رجل قبيلة)، يتحدّر من عائلة تعلي علاقات النسب والروابط الدمويّة التقليدية على أي انتماء حديث، يفضل وليّ العهد أن يدير "لعبة التذاكي" مع فئات تتشارك معه في الروابط التقليديّة إياها، على قوى اجتماعية تتمتع بمشروعية "انتخابية". على هذا، رأى بعض المتابعين، وهم على صواب، أن تحركاته، بإيعاز من أبيه، ليست سوى إعلان ضمني من جانبه بفشل التوصل إلى "توافقات حقيقية" مع القوى السياسيّة التي تحظى بمشروعية تمثيلية وانتخابيّة لا يمتلكها هو ولا عائلته.

ولي العهد طلب من "الأعيان وشخصيات المجتمع" الذين انتقاهم بشكل خاص، مباركة توجه الحكم للدعوة إلى الانتخابات، والتوقيع على مذكرة بتأييد الإجراءات التي قام بها النظام لمعالجة الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد. وهو إن كان قد ترك لكل واحد منهم اتخاذ الموقف الذي يراه دون أن يجبر أحداً على التوقيع، لكنه يعلم، أن الأعيان الذين انتقاهم، ستحرجهم اللغة الوديعة التي يتقن ولي العهد استخدامها كلما قدم حاملاً مشروعاً تسويقياً جديداً لأبيه، وستحرجهم أيضاً الوعود التي تعوّد ولي العهد التبشير بها كلما أراد استدراج فئة نحو أهداف أبيه.

لقد تعمّد ولي العهد إحراج "الأعيان" عندما خصّهم باللقاء، وتعمّد إحراجهم عندما خصّهم بالدعوة، وتعمّد أكثر إحراجهم عندما تركهم أمام خيارهم، وأمام ووعوده وعروضه، وأمام حساباتهم الشخصية و"العينية" بعد ذلك. فكأن ولي العهد يقول لهم: لقد خصصتكم بثقتي ودعوتي، ومن غير اللائق أن لا تخصوني بثقتكم ودعمكم. إنه نوع من الإلزام المبطّن وإن لم يكن إلزاماً معلناً.

نعم لقد تعمّد ولي العهد إحراج "الأعيان" لتحصيل توقيعاتهم وتوافقاتهم على الـ (لاشيء) الذي يطرحه النظام، وبالفعل هناك من وقّع منهم مباركاً هذا الـ (لا شيء)، لقد فعل ولي العهد ذلك لأنه خسر التوافق مع الشعب، ومع القوى السياسية التي تمثّل تطلعات الشعب، ومن يفقد توافق الشعب، يلجأ لتوافق الأعيان!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus