مرآة البحرين في حوار حول مسجد الخميس مع الباحث التاريخي حسين الجمري: نقش المنارة الغربية يحمل هويته الشيعية "علي ولي الله" (2-2)

2014-09-15 - 6:35 م

مرآة البحرين (خاص) احتدم الجدل مؤخراً حول مسجد الخميس، المسجد التاريخي الأقدم في البحرين، والمسجل ضمن سجلات الأوقاف الجعفرية، بعد أن قامت السلطة بتحويله من الأخيرة الى وزارة الثقافة. أضيف ذلك ضمن مسلسل السلطة في منهجيتها في تزييف التاريخ والعبث بالهوية الوطنية، وفيما يُخشى أنها تهدف بوضع يدها عليه إلى تغيير هويته المذهبية أو تغييبها.

ردود الأفعال الشعبية، خاصة في الوسط الشيعي، استنكرت خطوة السلطة الأخيرة، رغم ترحيبها بترميم وصيانة مبنى مسجد الخميس، لكنها رفضت تولية وزارة الثقافة عليه. معتبرة أن مسجد الخميس وفقًا لكل المستندات التاريخية والأدلة الثبوتية مسجّلٌ في الأوقاف الجعفرية، وقد كان من أكبر الحوزات العلمية في تاريخ البحرين والمنطقة. فيما أظهرت وثيقة تاريخية طلبا من حكومة البحرين للأوقاف الجعفرية لترميم ما أسمته بـ "مشهد سوق الخميس".

مرآة البحرين التقت الباحث التاريخي البحريني حسين الجمري، والذي أصدر كتاباً بعنوان "مسجد الخميس: الحوزة الأولى وأول مسمار في نعش القرامطة"، وكان لها معه الحوار التالي حول الصراعات التاريخية حول هوية مسجد الخميس وتاريخ إنشائه.

المرآة: ماذا تقول نتائج البعثات التي نقبت في موقع مسجد الخميس عن البناء الأول لمسجد الخميس؟

كشفت نتائج البعثة الفرنسية أن هناك ثلاثة مساجد تم بنائها في موقع مسجد الخميس، إلا أنه لا يعلم بالتحديد تاريخ بناء تلك المساجد، باستثناء تاريخ بناء أو ترميم المسجد الثالث في الحقبة العيونية. أما عن المسجدين الآخرين فلا توجد إلا نظريات.

المسجد الأول، لم يبق منه إلا بقايا جدار القبلة وفي وسطها محراب مجوف على شكل نصف دائرة. هذا الوصف لا يعطي تاريخاً محدداً لبنائه، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن المحراب المجوف ظهر عند ترميم مسجد المدينة قرابة (707 - 709م)، وأن البلاد القديم تأسست في تاريخ ما في القرن الثامن الميلادي، فإنه يمكن إعطاء تاريخ نظري لبناء المسجد الأول ما بين العامين 709 - 800م.

أما المسجد الثاني ففي عام 1914م لاحظ Diez عمود من خشب الساج يدعم سقف غرفة الصلاة، عمود الساج هذا نقش عليه زخرفة وكتابة. فأما الكتابة فقد نقش عليه ثلاثة أسطر هي "لا إله إلا الله، محمد سول الله، علي ولي الله"، وقد أرسل نقش الكتابة لخبير متخصص وهو Flury الذي حدد زمن الكتابة بالقرن العاشر الميلادي. أما Diez المختص بالزخرفة فقد حدد أن الزخرفة على الساج خاصة بمدينة سامراء التي ظهرت في القرن التاسع الميلادي. ما يعني أن هناك جزء من مسجد الخميس يعود إلى القرن التاسع وبداية القرن العاشر أي إلى الحقبة المعروفة باسم "حقبة سامراء" وأنه يحمل هوية إسلامية شيعية، وهذا يعكس هوية جزيرة أوال في هذه الحقبة.
هذا العمود الخشبي بقي حتى القرن العشرين، ثم اختفى عقب تنقيبات الحملة الفرنسية، حيث غيّبت Kervran ذكره، ولم نعد نعرف عن مصيره شيئاً فيما بعد.

ثم نشر Whitehouse بحثه في العام 2003م على شكل ملاحظات حول البناء الأول والثاني لمسجد الخميس، وأكد أن نمط بناء المسجد الثاني ظهر لأول مرة في سامراء في الحقبة العباسية في القرن التاسع الميلادي، فقد عثر في آثار سامراء على خمسة مساجد، على الأقل، بنيت بنفس نمط مسجد الخميس في القرن التاسع الميلادي. هذه المعلومة لا تؤكد أن البناء الثاني لمسجد الخميس بني في هذا القرن، لكنها توضح وجود تأثيرات معمارية سامرائية. ومثل هذه التأثيرات ليست حصرية على مسجد الخميس فهناك دراسات تشير لوجود آثار قليلة لكنها ذات دلالة كبيرة مثل تلك الآثار الاسلامية المبكرة التي عثر عليها في قرية باربار، وما عثرت عليه البعثة الدنماركية في 1965 من آثار قرية اسلامية بين تلال عالي، تحمل زخارف وفخاريات سامرائية مزججة تعود لحقبة سامراء، أي القرن التاسع الميلادي.

المرآة: وماذا يعني كل ذلك فيما يخص هوية مسجد الخميس تحديداً؟

ما سبق يبين لنا عمق الانتشار الثقافي من سامراء إلى البحرين، فهل يعقل أن يبنى أهم مسجد في عاصمة البحرين القديمة في تلك الحقبة بدون تأثيرات سامرائية؟ هذه النظرية المرجحة حول البناء الثاني لمسجد الخميس تتعارض مع فرضية Kervran والتي اعتمدنا عليها في كتابنا "مسجد الخميس الحوزة الأولى"، وهنا نجد أنفسنا مضطرين لبيان الفوارق بين كلا النظريتين مع بيان سير الأحداث التاريخية الموازية.

المرآة: وكيف نوفق بين النظريات المتصارعة حول هوية المسجد؟

قلنا فيما سبق، أن Deiz خلص إلى أن بعض أجزاء مسجد الخميس تعود للقرن الثاني عشر؛ وذلك من خلال دراسة نقوشات محاريب المسجد، وأن هناك أجزاء أخرى تعود للقرن التاسع/العاشر الميلادي.

بينما اعتمدت Kervran فقد اقتبست قول النبهاني أن المسجد الأول بني في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الاموي، رغم أن نتائج دراستها الأثرية أثبتت أن البناء الظاهر للمسجد بدأ بناءه في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده وهذا كافٍ ليلغي فرضية النبهاني.

وفي العام 2001م نشرت Frifelt نتائج البعثة الدنماركية في التنقيب في المواقع الإسلامية في البحرين. من تلك المواقع، موقع معابد باربار حيث بني بالقرب منها قرية، أظهرت نتائج تحليل الفخار وجود فخار سامراء، وعليه رجحت Frifelt أن مسجد الخميس الثاني بني في حقبة سامراء.

وفي العام 2001م قامت بعثة بريطانية بقيادة Timothy Insoll بالتنقيب في موقع سوق الخميس والمناطق المجاورة لمسجد الخميس في منطقة البلاد القديم. وخلصت إلى أن منطقة البلاد القديم تأسست في القرن الثامن الميلادي وازدهرت في القرن التاسع/العاشر الميلادي، كما هو الحال للقريتين الأخرتين في عالي وباربار. وأن اللقى الآثارية تؤكد أن البلاد القديم ومنذ بداية تأسيسها كانت المركز التجاري الأساسي في البحرين، وأنها كانت بمثابة العاصمة.

ومما سبق يتضح أن البحرين تطورت بصورة ملحوظة في القرن التاسع/العاشر الميلادي، وهذا التطور انعكس على عدة ملامح حضارية منها فن العمارة، كما سبق وأن أوضحنا في الفصل السابق. إذاً، هل يعقل أن تبقى عاصمة البحرين القديمة، البلاد القديم، بمسجد يتكون من غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 8.2 م X 6.7 م،كما اقترحت Kervran. هنا تأتي نظرية Deiz لتملأ هذا الفراغ. ولكن في حال سلمنا بصحة نظرية Deiz سيكون هناك أربع فترات تم فيها بناء مسجد في موقع مسجد الخميس، إلا أن الواقع، ومن خلال عمليات التنقيب، هناك ثلاث فترات تم فيها بناء مسجد في هذا الموقع، ولا يمكن التخلص من هذا التضارب إلا إذا افترضنا أن نقش بناء مسجد الخميس في القرن الثاني عشر (الحقبة العيونية) يشير إلى ترميم المسجد لا بناءه، وبالتالي يمكن صياغة نظرية توفيقية تجمع الآراء المختلفة، وفي نفس الوقت تتماشى مع المعطيات الآثارية:

1 - البناء الأول لمسجد الخميس ظهر بعد العام 707 م.
2 - البناء ثاني لمسجد الخميس كان في الحقبة 850 - 950 م.

البناء الثالث لمسجد الخميس

يعتمد في تحديد تواريخ إعادة بناء وترميم وتطوير مسجد الخميس على دراسة (Kervran et Kalus 1990). وأهم نقاط النقاش في تشييد البناء الثالث لمسجد الخميس هي:

1 - البناء ثالث لمسجد الخميس قرابة العام 1050م.
2 - توسعة المسجد وبناء منارة فيه في الحقبة 1124 - 1148م.
3 - ترميم المسجد وبناء منارة ثانية في الحقبة 1323 - 1375م

المرآة: وماذا عن بناء المسجد الذي نراه حالياً؟

لقد تم تغير المسجد تماما في هذه المرحة فقد زادت مساحته من 132 متر مربع وهي مساحة المسجد الثاني إلى 632 متر مربع، ولم تتم التغييرات في سنة واحدة بل على مدى سنوات من التجديد و الترميم والإضافة، و كل جزء أضيف أو رمم وثق تاريخ بنائه أو ترميمه.
سأشير هنا للنصوص التي عثرت على بعض الأجزاء. فقد عثر على نص التأسيس في المنارة الغربية وهو منقوش على الصخر ومحاط بإطار خشبي، ويتكون النص من 7 أسطر هي:

(1) بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله
(2) علي ولي الله هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر مما أمر ببنائه
(3) معالي بن الحسن بن علي بن حماد العبد المطيع الفقير إلى الله سبح الله
(4) وعلي ومحمد و علي والحسن والحجة المنتظر صلوات الله وجعفر وموسى
(5) وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة المنتظر صلوات الله عليهم إبتغاء ......
(6) ...... الله وراجيا ثوابه في أيام الملك الفاضل أبو عبد الله محمد بن الفضل أعزه الله سنة ثمان عشر وخمس مائة.
(7) .......... وصلى الله (؟) ..........

من النقش يظهر أنه بني عام 518 هجرية (1124م - 1125م) في أيام الملك العيوني أبو سنان محمد بن الفضل، وبحسب المراجع هو ثالث أمراء الدولة العيونية تولى الحكم عام 520 هجرية (1126 م) (وفي رواية 526هجرية) حتى 538 هجرية (1143م). هذا النقش مهم من الناحية التاريخية فالمصادر التي حاولت تناول تسلسل أمراء الدولة العيونية وتحديد فترات حكمهم مليئة بالأخطاء والتداخل، وربما تولى محمد بن الفضل الحكم قبل 520 هجرية وهذا النقش يثبت ذلك. والقضية الثانية هو تغير كنيته من أبو عبدالله لأبي سنان.

نص بناء المنارة (الغربية)

عثر في قاعدة لمنارة الغربية على نقش يوثق بناء "منارة"، يتكون النقش من أربعة أسطر ونصه كالتالي:

(1) بسم الله الرحمن الرحيم
(2) .... (= عمرت؟) هذه المنارة في أيام الملك العا
(3) دل زين الدنيا والدين القائم في رضا رب العالمين
(4) أبي سنان محمد بن الفضل بن عبدالله

من الواضح هنا أن هذا النص يوثق بناء المنارة الغربية، و قد بنيت بعد مدة من بناء المسجد ولكن لا زالت ضمن فترة حكم نفس الأمير العيوني الذي بني في عهده المسجد وهو محمد بن الفضل. أما فيما يخص المنارة الأخرى فلا يوجد نقش ينتمي لنفس فترة بناء المسجد، أي حدود منتصف القرن الثاني عشر, يوثق بناء منارة أخرى، و لكن عثر على نقش متأخر ينتمي للقرن الرابع عشر.

أ - نقش بناء أو ترميم منارة في مسجد الخميس
عثر في غرفة الحارس في مسجد الخميس على نقش على صخر حذفت منه أجزاء و يمكننا قراءة ثلاثة أسطر كالتالي:

أمر بعمارة هاذه [كذا] المنارة المباركة السيد المعظم المخدوم
محي الجهاد ..........
............. سنة أربع وعشرين وسبعمائة
يعود تاريخ النقش لقرابة عام 1323م ولا نعلم إذا كان هذا أمر ببناء منارة أخرى وفي هذه الحالة تكون المنارة الشرقية أو هو في الواقع أمر بترميم إحدى المنارتين. ويلاحظ وجود اللقب "السيد المعظم" إلا أن اسم هذا السيد المعظم ُمحي من النقش. ويلاحظ وجود لقب "محي الجهاد" ويبدو أن هذا "السيد المعظم" كان يحفز الناس للتخلص من القوى الخارجية المسيطرة، وأن قراراته لها منطلق ديني فهو يستخدم مصطلح "الجهاد".

نقش ترميم/تطوير البناء الثالث لمسجد الخميس
يرجع تاريخ هذا النقش لعام 776 هجرية (1374 م) وقد عرف هذا النقش باسم نقش "الوقفية" لأنه يعلن فيه مجموعة من اسماء النخيل التي تعتبر وقفا للمسجد. وهذا النقش حاليا معروض في متحف البحرين. و لم يعثر على هذا النقش في مسجد الخميس بل وجد في قرية المصلى، و يقول جيمز بلجريف أنه بلا شك كان هذا النقش موجود في المسجد بالأصل. ويذكر دياز أنه في عام 1914م كان هناك نقشا معلقا على واجهة الغرفة الغربية (بين المحرابين) نقشا مسجل فيه تاريخ بناء المسجد ويرجع تاريخه لعام 740 هجرية. وهذا النقش الذي يقصده دياز ذكره أيضا محمد علي التاجر في كتابه عقد اللآل في تاريخ أوال حيث قال:

"و في أعلى محرابه صخرة نقش فيها اسم الباني والمرمم وأعيان الأوقاف الموقوفة عليه المخصص ريعها عليه إلا أن الصخرة المذكورة لعبت فيها أيدي المغرضين فهشمت أسماء الأوقاف لألا تسترد من أيدي غاصبيها وأخيرا وقعت و فقدت".

ومن وصف التاجر يتأكد لنا أن صخرة الوقفية هذه هي التي كانت معلقه على محراب الواجهة الخارجية للغرفة الغربية. النقش يتكون من قطعتين،النص الذي نقش على القطعة الأولى يتكون من أربعة أسطر ونصه كالتالي:

(1) بسم الله الرحمان الرحيم أمر بعمارة هذا المسجد المبارك الصاحب المعظم خواجه جمال الدين علي بن المرحوم منصور بن محمود كرد زيد تعظيمه قربة إلى
(2) الله تعالى ووقف على مصالحه جميع السرمر والملك المعروف بفوليان من البلد القديم مع نصف الملك المعروف بحمكان من حويص عالي على أن يلوث (؟) ويبقى ستمائة منا ثنا لمأن كل من يحضر لقراءة
(3) القرآن كل يوم ....... رمضان و مائة وخمسون منا ثنا لمأن كل من يحضر للصلاة يوم الجمعة كل جمعة خمسة آن وستمائة منا ثنا لقيمه ومائة منا ثنا لقيمه ثمن سراجه بهما وباقي
(4) لمصالحه من فروش ورم وغيرهما تقبل الله حسابه وأعلى درجاته في سابع وعشرين صفر سنة ست وسبعين وسبعمائة هجرية

أما نص القطعة الثانية فيتكون من سطرين:

(1) أيضا يضاف على نصف حمكان مع صرمر فوليان جوبار
(2) عين القصارين الصغرى الغربي وقفا شرعيا متقربا إلى الله تعالى
يرى دياز أنه بنهاية هذا العام أصبح لمسجد الخميس منارتان، فقد بدأ نمط المساجد ذات المنارتين، والتي توجد في وسط مقبرة، بدأ ينتشر في هذه الحقبة.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus