الاندبندنت: البحرين، من صحوة جديدة لأمة منقسمة

2011-08-21 - 8:12 ص


باتريك كوكبرن، صحيفة الاندبندنت
ترجمة: مرآة البحرين



شاب يقنع وجهه بقطعة قماش حمراء حيث لا تُرى إلا عيناه، ويمضي بخطوات واسعة إلى الصف الأول من المحتجين في الشارع في قرية النويدرات الشيعية في البحرين. الشباب من خلفه يبدو كما لو أنهم يتوقعون مواجهة مع الشرطة. بعضهم يلوح بالأعلام الحمراء والبيضاء البحرينية التي أصبحت رمزا للتظاهرات المؤيدة للديمقراطية. "سرعان ما ستبدأ الشرطة إطلاق النار" يحذرنا أحد المشاهدين حين احتكت عجلات سيارتي شرطة مسرعتين بالأرض عند وقوفهما عند مدخل القرية. بعدها بهنيهة سمعنا دوي قنابل الغاز المسيل للدموع.

بوادر التمرد تغلي تحت السطح في كل مكان في مملكة البحرين بعد مضي خمسة أشهر من بدء التظاهرات المطالبة بالإصلاح. حينها خرج آلاف في تظاهراتِ مستوحاة من الصحوة العربية واتخذوا من ساحة اللؤلؤة في وسط العاصمة المنامة مقراً لاحتجاجاتهم.

بعد شهر، وفي 15 من آذار تحديداً،  أخلت قوات الأمن الحكومية المدعومة من قبل الوحدات العسكرية السعودية  الساحة من المتظاهرين وقامت بتجريفها، وبدأت مذبحةً شرسةً غير عادية ضد الأغلبية الشيعية في المجتمع البحريني التي دعمت الاحتجاجات.

لا يزال البحرينيون في صدمة، الشيعة  منهم والسنة على حد سواء. "كنت أتوقع أن تشكرنا الحكومة  علاج الكثير من الناس خلال الأزمة " يشير أحد الأطباء ممن كانوا يحملون وجهات نظر سياسية معتدلة في السابق، حيث وجد نفسه يتعرض للضرب والحرمان من النوم عوضاً عن الشكر المرتقب.

أعطى الرجل الستيني الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان محمد حسن جواد، والذي لا يزال قابعاً في السجن، تفاصيل لأسرته حول كيفية تعذيبه من قبل المحققين بالصدمات الكهربائية على أعضائه التناسلية وأذنيه وساقيه ويديه. وكيف أنهم جعلوه يسجد أمام صورة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأمروه بأن يفتح فمه حتى يتمكنوا من البصق فيه، مهددينه بالتبول في فمه إذا لم يقم بابتلاع بصقهم. كما لاحظت عائلته التي سمح لها برؤيته لفترة قصيرة جداً أن أظافر أصابع قدميه قد أسودت من أثر الصدمات الكهربائية.

كان ينبغي للبحرين التي لا يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليون نسمة نصفهم من العرب، أن تكون المكان الأوحد في العالم العربي الذي تُقام فيه تسوية سياسية بين الحكام والمحكومين، وبين السنة والشيعة. عوضاً عن ذلك، اختارت أن تنضم إلى أماكن مثل بيروت والقدس، حيث المجتمعات المنقسمة على نفسها الأجواء المشحونة بالكراهية والشك. ومما يضاعف صدمة ما حدث هو أن البحرين تعد نفسها إحدى البلدان الأكثر ليبرالية والأفضل تعليما في منطقة الخليج. بخلاف المملكة العربية السعودية المجاورة، حيث النساء تقدن السيارات وتشغلن وظائف حكومية مهمة.

يمكن تفسير الكارثة البشرية التي تستهلك المجتمع البحريني اليوم على أساس بسيط، وهو أن الحكومة بالغت في ردة الفعل. رأى آل خليفة أن حكمهم كان تحت التهديد حيث تم الإطاحة تواً بسلطات راسخة لأعتى الطغاة في العالم العربي. قاموا بالتعامل مع الإصلاحيين المعتدلين كما لو أنهم ثوريون محترفون. ودون أي دليل أو مستمسك، جرموا السلطات الإيرانية معتبرينها اليد الخفية وراء مطالب الشيعة المنادية بوضع حد للتمييز "قيل للطائفة السنية هنا أنها تواجه تهديدا وجوديا، وأن المواطنة المتساوية مع الشيعة تعني وضع حدٍ للوجود السني"، هكذا وصف أحد النشطاء الشيعة ما حدث، مضيفاً "لقد صدقوهم".

لطالما كانت البحرين مقسمة بين النخبة السنية الحاكمة المتركزة في عائلة آل خليفة المالكة، وبين الشيعة. لكن منذ شهر مارس الماضي تحول الأمر إلى شيء أقرب لمذبحة مناهضة للشيعة. الأدلة على الطائفية الرسمية كثيرة وبينة. بعد مشاهدة بدايات تظاهرة في النويدرات، انتقلنا إلى منطقة أكثر هدوءا حيث تم تدمير 10 مساجد شيعية قبل ثلاثة أشهر. أحد الرجال المنطقة والذي يقوم بكتابة تاريخ المساجد والأماكن المقدسة الشيعية في المنطقة ولا يريد نشر اسمه، أشار إلى كومة من الأنقاض قائلا "كان هذا مسجد مؤمن الذي يتسع لعبادة ما بين 200 و 300 شخص. كان هذا المسجد هنا منذ 400 سنة ".

وصف كيف حاصرت الشرطة والجيش المنطقة في 19 إبريل/ نيسان جالبةً معها العمال والشاحنات والجرافات. حين انسحبوا، خلفوا وراءهم  10 مساجد مسواةٍ بالأرض من أصل 17 مسجداً شيعياً في قرية النويدرات. لم تكن المساجد وحدها ما استهدفوه. فالشيعة يقدسون مقابر موتاهم من العلماء والصالحين، ولكن الشرطة والجنود قاموا بحفر موقعين في مقابر النويدرات. أشار المؤرخ المحلي إلى حفرة في الأرض قائلا: "كان هذا موقع قبر عالم شيعي، يُدعى محمد أبو خريس، متوفى من قبل 200 سنة". أضاف: "لقد حفروا حتى عظامه وألقوا بها بعيدا".

التفسير الرسمي لتدمير ما لا يقل عن 35 مسجدا وموقعا دينياً شيعياً، هو أنها بنيت بدون ترخيص. يبدو من غير المنطقي أن تتنبه الحكومة فجأة وتتملكها الرغبة العارمة لاستخدام الجيش والشرطة لفرض قوانين البناء. العديد من الشيعة يشتبهون بأن يكون للسعوديين دور في ما حصل من دمار، فهذا هو ديدن الوهابية، وهي الفكر الإسلامي السني المتشدد السائد في المملكة العربية السعودية. غير أن أحد الزعماء الشيعة أصر على تفسيرِ آخر يرجح أن يكون الغرض من الطائفية المدعومة من قبل الحكومة هو ترهيب الطائفة الشيعية.

قد لا تكون السياسة الرسمية محسوبةً بعناية. لبنى صليبيخ ، المتحدثة باسم وزارة التربية والتعليم، تقول عن "صدمتها" بسبب المزاعم التي تقول بأنه قد تم قطع المخصصات والمنح الدراسية للطلاب لأنهم من الشيعة أو لكونهم شاركوا في الاحتجاجات. تقول أيضاً أن الطلاب في المملكة المتحدة الذين فقدوا التمويل الحكومي لأنهم شاركوا في مظاهرات قد حصلوا عليها مرة أخرى "كان هنالك إعلان ولكن تم تعليقه".

توافق صليبيخ على صحة التقارير التي تقول بأن 6500 من أصل 12000 معلماً بحرينياً شاركوا في الإضراب الداعم للمتظاهرين في ساحة اللؤلؤة، لكنها تقول إنه لم يتم معاقبة إلا أولئك الذين خرقوا قواعد الخدمة المدنية. وأكدت أن الوزارة "ليس لديها إحصاءات عن من هو الشيعي أو السني". يمكن للحكومة أن تدعي عدم إبقائها على إحصاءات طائفية، إلا أن معارضيها يمتلكون وبكل تأكيد تلك الإحصاءات.

نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، طرح أرقاماً دقيقة حول التمييز تبين أنه "في عام 2003، أمسك الشيعة ما يقارب 18% من الوظائف العليا في البحرين، إلا أنهم لا يشغلون اليوم  إلا 8 إلى 9 % من تلك الوظائف". يعتقد الحقوقي نبيل رجب أن الحكومة تسعى إلى تغيير التركيبة السكانية للجزيرة عبر إحلال السنة محل الشيعة، وذلك من خلال التجنيس الطائفي واسع النطاق الذي يستجلب عدة جنسيات من بلدان ذات أغلبية سنية، من مثل باكستان والأردن واليمن وغيرها. ويقول "الحكومة تخلق مقومات حرب أهلية"  لأن المزيد من التهميش للشيعة لن يورث إلا غضبا وتطرفاأكثر وأحد، ولن"لن يكون لديهم ما يخسروه".

تم فصل حوالى 2500 موظف شيعي من عملهم، على الرغم من أن الملك قد وعد بإعادتهم إلى وظائفهم. قد لا يكون الأمر بهذه السهولة. كان حسين المتخصص في تكنولوجيا المعلومات يعمل لدى شركة الاتصالات المملوكة للدولة جزئيا (بتلكو) قبل أن يفقد وظيفته. يقول يوجد الآن طبقة من المسؤولين السنة الذين لا يريدون عودة الشيعة. وأضاف "إنهم يعاملوننا مثل الهنود الحمر في أميركا… نحن الآن أغلبية، لكننا قد لا نبقى كذلك لفترة طويلة. أنا الآن أبحث عن وظيفة في قطر أو دبي".

يدعي الملك حمد أنه عرض تسوية من خلال حوار وطني، إلا أن هذا الأمر لا يزال يتأرجح بثقل بين تقديم تنازلات حقيقية وما يشبه حملة العلاقات العامة. روجت الحكومة بشدة لـمنتدى (الحوار الوطني)الذي انتهى للتو، والذي تحول إلى سوق غير متكافئ في تمثيلاته للشعب. تحول الحوار الوطني إلى مونولوج ذي صوت واحد. يقول عبد الجليل خليل إبراهيم أحد المحاورين عن الحزب الشيعي الرئيسي (الوفاق) الذي انسحب من الحوار: إن حزبه حصل على غالبية الأصوات في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب المشلول، إلا أنهم لم يحصلوا سوى على خمسة مقاعد تمثيلية من أصل 320 مقعداً لممثلي الحوار الوطني.

يقول رئيس لجنة التحقيق الأكثر جدية الموكلة بالتقصي في أحداث البحرين منذ فبراير، المحامي في حقوق الإنسان شريف بسيوني، والتي بدأت لجنته العمل للتو في البحرين إنه "مرتبك حد الاشمئزاز من الأصوات نقيضتي الطرف للطائفتين البحرينيتين اللتين تمتلكان سرداً مختلفة تماما في وصف ما حدث". يقول، "هذا الأمر يعكس صورة مجتمع قطبي".

أعرب السيد بسيوني عن تفاؤله بأن الملك وولي العهد يريدان له أن يعمل كما لو أنه كان يقود لجنة الكشف عن الحقيقة وإلقاء اللوم بين الحكومة والمحتجين. ما حدث في البحرين يُبشر بحقيقة قاتمة، "فعندما تخدش السطح، يظهر أسوأ ما في الإنسان" ، حسب قوله.

الأربعاء 3 أغسطس ، 2011

المصدر: الاندبندنت

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus