صحيفة جلوبال ريسرج: البحرين، واشنطن ولندن تؤيدان الحوار مع الطغاة ومجرمي الحرب والمعذبين

2011-07-30 - 8:04 ص

 



فينيان كوننينجهام*، صحيفة جلوبال ريسرج(Global Research).
ترجمة: مرآة البحرين.

 



الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وبريطانيا لإصلاح الصورة الدولية للنظام في البحرين باتت في حالة يرثى لها في أعقاب الكشف عن تورط أحد الأفراد البارزين في العائلة الحاكمة وبشكل شخصي في تعذيب المئات من المدنين بمن فيهم من أطباء وممرضين. هذا الشخص هو النقيب ناصر آل خليفة نجل الملك الذي تخرج هذا العام مع مرتبة "الشرف" من جامعة كنتيكو لمشاة البحرية الأمريكية في واشنطن.  

إن الدور الاجرامي الذي تقوم به الدائرة الضيقة من أفراد العائلة الحاكمة يكشف أيضا بأن الجهود الامريكية والبريطانية للحديث عن الاصلاح والحوار من قبل الحليف الخليجي ما هي في الواقع الا ادعاءات زائفة وغير حقيقية. ففي الوقت الذي تُعلن فيه الحرب والعقوبات ضد ليبيا وسوريا بسبب الانتهاكات المزعومة ضد حقوق الإنسان، فاننا نجد في البحرين ان واشنطن ولندن تطالبان المحتجين المطالبين بالديمقراطية أن يحتضنوا ما يقال انه مبادرة للحوار الوطني. 

وهذه المظاهر لوحشية العائلة الحاكمة تضع أيضا دعوة الملك، لتشكيل لجنة تقصي حقائق "مستقلة"  والتي انيط بها مهمة البحث في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في اعقاب غزو الجيش السعودي المدعوم غربيا للملكة الغنية بالنفط في بداية العام الحالي، تضع هذه الدعوة موضع السخرية. ولكن واشنطن ولندن مرة أخرى امتدحوا خطوة تشكيل اللجنة على انها خطوة ايجابية للاصلاح في المملكة التي تُحكم فيها الاغلبية الشيعية من قبل فرد غير منتخب من النخبة السنية والذي استمر حكمه لمدة اربعين عاما من دون انقطاع، اي منذ الاستقلال الرسمي للملكة عن بريطانيا في عام  1971 وحتى الآن.
 
ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن ان يُأخذ على محمل الجد نظاما على هذه الشاكلة عندما يعرب عن استعدادة للبحث والتقصي في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد المواطنين، عندما يكون المسؤلون عن ارتكاب هذه الفضائع هم من اركان النظام نفسه؟ فمنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية والمسالمة ضد الملكية المدعومة امريكيا وبريطانيا في منتصف فبراير الماضي، تم قتل مايقارب الاربعين مدنيا.
 
ولم يكن هؤلاء المدنيون مسلحون مع الاخذ بعين الاعتبار بان القائد الاعلى للقوات المسلحة في البحرين هو الملك حمد بن عيسى ال خليفة نفسه. الشيخ خالد الابن الآخر للملك من زواجه الثاني من بين أربع زيجات، ذكر اسمه أيضا على أنه مارس التعذيب شخصيا ضد السجناء. كل من الشيخ ناصر والشيخ خالد هما أخوان غير أشقاء لولي العهد الامير سلمان الذي قابله الرئيس باراك أوباما في البيت الابيض عندما أعلن الامير عن "الحوار الوطني" و"الاصلاح السياسي" . 

وفي أعقاب هذه المقابلة مع الرئيس أوباما صرح ولي العهد قائلا:" انا اشارك الرئيس بشكل كامل رؤيته المتعلقة باحترام حقوق الإنسان العالمية وباستمرار عملية الاصلاح ذات المغزى في البحرين"  وفي تناقض صارخ مع هذه التصريحات بشأن حقوق الإنسان العامة، تحدث الكثير من المعتقلين السابقين لـ"قلوبال ريسرج" عن الوحشية التي تعرضوا لها على يد أفراد بارزين من العائلة الحاكمة في البحرين.
 
ووصف هؤلاء المعتقلون كيف انهم تعرضوا للكم والرفس والضرب بالهروات، وكيف أنهم أجبروا على الوقوف لأيام ومن دون أن يعطوا فرصة للنوم. وعندما يسقط أحدهم من شدة الاعياء، فإنه يتعرض للكم والرفس لإجباره على الوقوف مجددا.  السجناء كانت تعصب أعينهم بشكل روتيني، ويصعقون كهربيا ويعلقون بالأصفاد من السقف، أو أنهم يربطون كالدجاج إلى قضيب معدني ويظلون معلقين فيه لفترة طويلة.
 
وشكى كثير منهم من تهديده هو أو أحد افراد عائلته بالاغتصاب، إن لم يقوموا بالتوقيع على جرائم وهمية. ويعتقد بأن معظم عمليات التعذيب تتم في زنازين سرية  بمباني وزارة الداخلية التي تعرف بالقلعة في العاصمة البحرينية المنامة. وبناء على أقوال بعض المعتقلين السابقين وشهادات مستقلة،فإن أبناء الملك يحضرون جلسات التحقيق بل ويشاركون  في عمليات التعذيب بشكل شخصي.

أفراد آخرون في حاشية آل خليفة متهمون أيضا بالمساهمة في إساءة معاملة السجناء بما في ذلك أفرادا من ذوي الرتب العالية في قوة دفاع البحرين. أحد أفراد العائلة الحاكمة البارزين والتي يدها ملطخة بالدماء بشكل خاص هي الشيخة نورة آل خليفة الضابطة في وزارة الداخلية. ولاتعرف صلتها بالملك على وجه الخصوص، ولكنها تصنف على أنها من الدائرة الضيقة في العائلة الحاكمة. وقد قيل إنها كانت تشرف وبشكل شخصي على تعذيب السجينات من مدرسات وطالبات وأطباء بالإضافة إلى الممرضات.

وفي هذا الصدد تقول إحدى السجينات المفرج عنهن إنها تم تعصيب عينها وضربت على رأسها وتوجيه الإهانات لها. وأضافت لقد وصوفوني بأنني عاهرة شيعية وسخة.  وتواصل السجينة السابقة قائلة:إن المحققات كانوا ينادون أميرة التعذيب الحاضرة معهم في الزنزانة بلقبها الملكي "يالشيخة". وفي لحظة ما فإن العصابة تزحزت قليلا عن عيني واستطعت أن أرى هذه "الشيخة".  وفي نفس الصدد، فإن معتقلات أخريات وصفن كيف أنهن تعرضن لنفس الصدمات الجسدية والنفسية على يد الشيخة نورة نفسها. مصادر في السجن أخبرت "قلوبال ريسرج"  بأن الشاعرة ايات القرمزي 20 عاما والتي أطلق سراحها الأسبوع الماضي من محكومية مدتها سنة كاملة تعرضت هي أيضا للتعذيب على يدها . 

وكان من بين وسائل التعذيب المهينة التي تعرضت لها الشاعرة الشابة، التهديد المتكرر بالاغتصاب ووضع مقشة تنظيف المرحاض(البروش)  في فمها. والسبب  على مايبدو هو الانتقام منها بسبب إلقائها قصيدة على أسماع المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، قامت فيها بانتقاد الطبقة الحاكمة. ومنذ أن اعطت الولايات المتحدة وبريطانيا الضوء الأخضر إلى الغزو المقاد سعوديا في 14 مارس، فإن أكثر من 1500 مدني معظمهم من الغالبية الشيعية تم اعتقالهم من غير محاكمة.
 
وأربعة من هؤلاء المعتقلين توفوا تحت التعذيب في السجون، وكان من بينهم الناشر كريم فخراي بحسب مانقله مركز البحرين لحقوق الإنسان(1). بالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعات حقوقية أخرى مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وفرونت لاين دفندرز وهيومان رايتس فيرست، كانوا جميعا قد شهدوا بأن التعذيب في البحرين روتيني ووحشي. فعلى سبيل المثال، قامت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي بشجب عمليات التعذيب الممنهج الذي تقوم به السلطات في البحرين ضد العشرات من الناس وخصت بالذكر الأطقم الطبية.(2) فقد تم اعتقال أكثر من 70 شخصا من الطاقم الطبي، 48 منهم تتم محاكمتهم على تهم لايمكن وصفها إلا بالمضحكة كالتحريض على كراهية النظام مثلا. وعند إدانتهم فإنهم سيتعرضون لفترات سجن طويلة تمتد إلى عشرين عاما.
 
جديرا بالقول إن من ضمن المتهمين جراحون ذوو سمعة دولية من أمثال علي العكري وباسم ضيف وغسان ضيف. وهؤلاء الأطباء تمّ  تدريبهم في الكلية الملكية للجراحين(RCSI) في دبلن. والتي وبشكل مخزي آثرت الصمت لما يتعرض له منتسبوها من انتهاكات بسبب مصالحها المادية مع النظام الخليفي في البحرين.(3) جميع الطاقم الطبي تعرضوا للتعذيب وأجبروا على توقيع الاعترافات. وحسب مصادر من داخل السجون البحرينية، فإن الشيخة نورة كانت تقوم بنفسها بالإشراف على عمليات التعذيب وبتعذيب السجينات من الطاقم الطبي وغيره. وفي الأسابيع الماضية بادر الملك حمد بن عيسى آل خليفة رأس الدول البحرينية، بما بدى أنه مجموعة من الخطوات التصالحية مثل إنهاء المحاكم العسكرية وحالة الطواريء، وإطلاق عملية حوار للمصالحة والإصلاح بالإضافة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة في المزاعم التي ترددت عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. 

هذه المبادرات من قبل حاكم الجزيرة الغنية بالنفط ومأوى الاسطول الخامس، قوبلت بالترحاب والحماس من قبل كل من واشنطن ولندن. فقد صرح مايكل بوزنر مبعوث الادارة الامريكية لحقوق الإنسان اثناء زيارته للعاصمة البحرينية المنامة الشهر الماضي، صرح قائلا:"الولايات المتحدة ترحب بالتطورات الايجابية الاخيرة".    ولكن الادلة التي تثبت بأن افرادا من العائلة الحاكمة نفسها كانوا متورطين وبشكل شخصي في عمليات التعذيب ضد المحتجين المطالبين، يطبع هذه المبادرات بطابع حملات العلاقات العامة المشكوك في جديتها. 

وبما أن واشنطن ولندن اقرتا جهود آل خليفة "للحوار والاصلاح"، فإن ذلك يشير أيضا لمحاولات مشبوهة من قبلهما لتوفير الغطاء للنظام العميل لهما. والسؤال الذي يجب أن يسأل هنا: كيف يمكن للأحزاب المطالبة بالديمقراطية في البحرين أن تتوقع وبشكل جاد أن يكون لها محادثات جدية بشأن الاصلاح مع طغاة ومجرمين ومعذبين؟ إن الدعوة إلى توجيه اتهام لهم من قبل محكمة الجنايات الدولية سيكون هو الاكثر ملائمة. 

والسؤال الأكثر إلحاحا والقادم من البحرين: كيف يمكن أن ياخذ الالتزام المعلن للتمسك بالديمقراطية وحقوق الإنسان من قبل واشنطن ولندن على محمل الجد بعد الآن؟.   

*فينيان كوننينجهام: مراسل "قلوبال ريسرج" وطرد من البحرين بتاريخ 18-6-2011 بسبب مقالاته الانتقادية.
 cunninghamfin@yahoo.com
20يوليو2011
 اضغط هنا لمشاهدة المقالة الأصلية     

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus