الشهيد عبدالعزيز العبّار: الآن آن لي أن أكون في خير، فلم أكن في وطني في خير!!

2014-04-18 - 11:35 م

مرآة البحرين (خاص): "الشهيد لا ينازع الموت، بل الحياة، ليست هذه التي هنا، بل الحياة في تلفتها البعيد. شهران وأنا أتهيأ للدخول في سكينة الحياة التي حُرمت منها في وطني، لقد عشت 27 عاماً من الموت في وطني. الوطن حيث يكون المواطن في خير. وأنا في وطني لست في خير، ولست بخير" 

كأن الشهيد عبدالعزيز العبار يقولها لنا الآن، وهو يلملم بياضه متجهاً نحو المكان البعيد البعيد، الذي لا يوجد فيه غير الخير الخير.  

كان فناناً مرهفاً بهواية الرسم، يحلم بوطن يناغي حسّ الفنان ويحتضن طموحات الإنسان الصغيرة والبسيطة، لا يطمح المواطن البسيط من خير في وطنه أكثر من أن يقدّره ويحتويه ويشعره أنه معترف به وأنه ليس مواطناً من درجة مهمشة  أو مُستعداة.

يأتي عبد العزيز من بيت فقير لم يدخله خير الوطن، فقر من كل شيء، ووفرة من الكرامة والعزّة فقط. لم يحصل عبد العزيز في وطنه حتى على فرصة عمل. يرى عبد العزيز أن خير وطنه منذور للمرتزقة والغرباء والمنافقين والوصوليين والانتهازيين. النظام الاستبدادي جعل من هؤلاء (مواطنين) ينعمون في خير هذا الوطن، وأبقى للمواطنين في وطنهم (غصّة). لهذا كان يحرص عبد العزيز على المشاركة السلمية في كل الفعاليات التي يمكنه أن يصل إليها، ورغم تحذير والدته له خوفاً عليه، فإنه يجيبها بأن الخروج في سبيل كرامة إنسان هذا الوطن واجب عليه. لقد كان يتمنى الشهادة ويرى فيها الخير الكبير الذي يمكن أن يحصل عليه أخيراً.

لم يكن مفاجئاً تلقي عائلة العبّار خبر استشهاد ابنها، كانت تعرف ذلك منذ انتهى عنها إلى غيبوبة خطفت لونه، وانتفخ رأسه، وذهب في موت سريري، إثر تلف خلايا مخّه بإصابة من طلقة الـC4 وجهها له أحد مرتزقة النظام في 23 فبراير الماضي، عندما كان مشاركاً في مسيرة ختام مجلس عزاء الإعلامي علي الموسوي. 

عند الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم الجمعة 18 ابريل 2014، تلقت العائلة نبأ استشهاد ابنها. كان قد نُقل من العناية المركز إلى الجناح في الفترة الأخيرة، وهو ما رأته سببا في تدهور حالته بشكل سريع. والد (العبار) انكفأ في غرفته، لم يستطع الخروج لاستقبال المعزين فدخلوا إليه، ورغم أنه كان يعلم أن حياة ابنه مسألة أيام منذ أن أكّد له الأطباء أنه لا يستجيب للعلاج، وأن لديه 30٪ هبوط في القلب، وأن خلايا المخ تلفت، لكن رغم ذلك، كان صعباً أن لا ينكسر ظهره بعد أن صار الأمر حقيقة واقعة. 

برباطة جأش مشحونة بالصبر الحزين، جلست والدة العبّار مع جمع قليل من النسوة صباح هذا اليوم، تستقبلهن بأحضانها، تشكر الله على نيل ابنها الشهادة التي طالما تمناها، كأنها تواسي من وفدن لتعزيتها، يعلو صوت النحيب مع عناق كل واحدة من قريباته، وتحضر ذكريات الشهيد وحنانه ولطفه وصفاته التي أحببنها فيه، عمّته تارة، وخالته تارة.. "راح الحنووووون.. راح الحنووووون".

لكن الأطول والأصعب والأكثر وجعاً، كان عناق الأم مع مع زوجته الشابّة، التي وجدت نفسها وحيدة بعده، وفي رقبتها طفلان، ابن في الثامنة، وابنة في السادسة، وفقدٌ ليس في خير، وحملٌ أفرغها من زهوة شبابها مبكراً. فتحت زوجته هاتفها على صورة زوجها، تطالع صورته عندما كان ينبض بالحياة إلى جانبها، ويهشّ لها بحنانه وحلمه، غابت في صورته عمن حولها "ألن تعد لي يا حبيبي؟"..

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus