افتتاحية مرآة البحرين: هل سيكون 14 فبراير عقداً كاملاً؟

2014-02-14 - 8:32 ص

مرآة البحرين (خاص): 14 فبراير ليس من أجل إسقاط دستور 2002 غير العقدي، وليس من أجل إسقاط كذبة الالتزام بالميثاق، بل هو من أجل إسقاط سردية الفتح (1783) التي يريد الملك وعائلته أن يؤسسوا عليها تاريخ البحرين على قاعدة قبلنا لا شيء، وبعدنا كل شيء.

يتوضح 14 فبراير كل عام شيئاً فشيئاً، شأنه شأن الأحداث العظيمة والنصوص الخالدة، لا تعطي معناها مرة واحدة. هو صناعة شعبية بامتياز، هو الناس وهم يحاولون فهم أنفسهم في التاريخ والحاضر والمستقبل، والإنسان لا يفهم نفسه من غير حدث أو نص يحمل قوة الحدث المؤسس، من هنا، جاء 14 فبراير. هو إذاً حركة شعب في التاريخ، يحاول عبر هذه الحركة أن يصنع ذاته الجماعية المشتركة ويفهمها.

لا نريد إلا ما نختاره نحن ونصنعه نحن، و14 فبراير هو ما نريده. دستور 2002 ليس ما نريده، و1783 ليس نحن، بل هما إلغاء وسحق لإرادتنا الجماعية. 14 فبراير هو نحن بذاتنا الجماعية. مازلنا نقلب فيه معنانا العميق: شعب يرفض الذل من أساسه، وأساسه هو هناك حيث (1873)،

الاعتراف ب14 فبراير هو اعتراف بنا سادة في الاختيار والقرار، سيتحقق هذا الاعتراف بتحقيق المطالب التي تمثل إرادتنا في التغيير، لا إرادة (الفتح) في التسيير، تسيير كل شيء وفق ما يريد الغازي.

14 فبراير فتح شعب و1783 فتح غزو، الأول يؤسس دولة. والثاني يؤسس ملكا عضوض. الثاني تكفيه القوة والأول تكفيه الشرعية. والصراع اليوم، هو بين هاتين الإرادتين. كما أن التاريخ طويل وممتد بين 1783 و14 فبراير2011، فالصراع أيضاً طويل وممتد، ولا يمكن أن يحسم بالوعود الكاذبة والمخاتلات المواربة.

ليس لدى (1783) غير القوة والرعونة، في حين لدى (14 فبراير) الأرض وتاريخها، مساجدها التي تغيظ الغازي، وعلماؤها القابعون في تراب أرضها، ومخطوطات كتبهم التي تحمل سيرهم وقصص المحن التي مرت بهم في هذه الأرض. لا يتذكرون تاريخا لهم خارج هذه الأرض، وهذا النسيان هو مصدر قوتهم في الأرض، وشرعيتهم.

ليس لدى (1783) غير ما يكرره الملك تكراراً هذيانيا مملاً، عن سردية الفتح، هو تاريخ يصلح لتأسيس قبيلة لكنه لا يرقى لتأسيس دولة، فالدولة تحتاج إلى سردية أكبر من القبيلة، قصة يكون أبطالها أوسع من قبيلة، وليس لدى 1873 غير سلسلة قبلية من الرجال الذين لم يتطبعوا بأعواد المدنية وفق تعبير المؤرخ الفذ ناصر الخيري، سلسلة أحمد الفاتح وعبدالله بن أحمد، ومحمد بن خليفة، وعلي بن خليفة وعيسى بن علي.

لا تمثل هذه السلسلة جامعاً وطنياً، في حين لدى 14 فبراير، سلسلة من الرجال الذين هم أوسع من قبيلة وأكبر من طائفة وأشمل من إيديولوجيا، لديه: عبدالرحمن الباكر، والسيد علي كمال الدين، وأحمد الذوادي، وأحمد الشملان، وعبدالرحمن النعيمي، وإبراهيم شريف، وعبدالأمير الجمري، وعلي سلمان، وعيسى قاسم، وعبدالوهاب حسين.. إلخ.

14 فبراير، هو محاولة تأسيس لهذه الحكاية، ليكون للدولة ذاكرة جماعية مشتركة، تمثل قصتها الجامعة، فالدولة لا تُبنى بالقوة ولا بالمال ولا بالأمن، بدون الحكاية المشتركة، تفقد هذه المقومات قدرتها على أن تحبك صيغة أو قصة اسمها دولة بدون ذاكرة مشتركة. ممثلو سلسلة 14 فبراير، كان لهم حضورهم في الدوار، وشاركوا في صناعة هذا الحدث الفريد. لم يأتوا من الخارج، ولم يستعينوا بأحد من الخارج، ولم يفرضوا شرعيتهم بالقوة.

على العكس من ذلك، سردية (1783) جاءت من الخارج، وفرضت نفسها بالقوة وظلت طوال تاريخها تستعين بالخارج (الاستعمار) لتثبيت قوتها، وما زالت حتى اليوم، تؤكد أن اعتمادها على هذا الخارج "من قال لكم أن ترحلوا".

14 فبراير يوم طويل، ربما يكون عقداً يكسر رتابة الأزمات التي تفصل بين عقد وعقد، وربما يكون نصف عقد، لكنه لكن يكون يوماً وفقط. وسيكون عقداً اجتماعيا وسياسياً، عقداً كاملاً بين الناس وبين من يحكمهم.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus