التعليق السياسي: الملك يحتفل بتاريخ البحرين المغتصب 1783 لا المشترك 1971

2013-12-04 - 9:47 م

مرآة البحرين (خاص): لماذا يذهب الملك إلى التاريخ كلما لبس بزته العسكرية؟ لأنه لا يجد شرعية له في أي مكان من تاريخ نضالنا الوطني في غير تاريخ الغزو، الذي هو تاريخ الإخضاع بالقوة، كأنه ببدلته العسكرية يُذكّر بشرعية القوة التي تمكن بها جده من السيطرة على البحرين وإذلال شبعها الذي يطالب اليوم بإسقاطه. وكأنه يقول إن هذه السيطرة ضمانتها البدلة العسكرية. وهذا ما جعله في افتتاح متحف قبيلته العسكري في فبراير الماضي، يقف مزهواً أمام لوحة الغزو (الفتح). 


أمس كان الملك في زيارة للقيادة العامة لقوة الدفاع، وقال "البحرين تأسست كدولة عربية مسلمة مستقلة منذ عام 1783م بمعنى من دخول أحمد الفاتح إلى جزر البحرين، والبحرين متمكنة من قرارها الخاص بها(..) حافظنا على هذا الاستقلال من 1783 إلى هذا اليوم بجهود الرجال المخلصين الذين هم آباؤكم وأجدادكم ".


المعنى الذي يعطيه الملك للبحرين حاضراً وماضياً، كله مؤسس على هذا التاريخ (1783) ومنه يستمد شرعيته، هو في حقيقته تاريخ غير مشترك وغير توافقي ولا يمكنه أن يؤسس لمواطنة مشتركة ولا لوطن مشترك. مكون كبير وأصيل يجد في هذا التاريخ، تاريخاً لمأساته وإذلاله، والمواطنة تؤسس على العدل والتساوي لا الغلبة والإذلال. بالإضافة الاعتراف بجميع المكونات المتعددة، وهذا التاريخ لا يعترف إلا بآل خليفة قبيلة مالكة وحاكمة لكل شيء ويتبعها مجموعة من القبائل المتحالفة، ويخضع لها البقية من مكونات المجتمع.


الملك يريد أن يرسي تاريخاً يفتتح البحرين بدخول جده (الفاتح) ويلغي كل ما قبل هذا التاريخ وكل من عاشوا على هذه الأرض قبل غزو جده لها. فقبيلة آل خليفة هي القبيلة الفاتحة والمؤسسة، وقبلها لا وجود لشيء سوى مجموعة جزر، ولا وجود لشعب عربي مسلم منذ زمن الرسول، الدولة العربية المسلمة المستقلة هي صنيعة جده ولهذا فهي ملك لمن صنعها ويرثها أبناؤه وقبيلته، هذا هو التاريخ الذي يريد هذا الملك أن يرسيه.


ما الذي يجعل بلداً مستقلاً؟


ما يجعل بلداً مستقلاً هو استقلال جميع مكونات البلد من سيطرة بعضهم على بعض، واستقلالهم من سيطرة قوة خارجية عليهم، هذا هو تاريخ الاستقلال الذي يمكن أن يؤسس وطناً مشتركاً نطلق عليه دولة.


غير أن الملك كعادته يكذب في الحاضر ويكذب في الماضي (التاريخ)، فهو يكذب في الحاضر بإدعائه أنه يحكم مملكة دستورية من أعرق الممالك الدستورية، ويكذب حين يدعي أن جده (أحمد الفاتح) أسس دولة مستقلة ذات سيادة منذ 1783، وأنها استكملت سيادتها في 1971، وعليه، فنحن علينا أن نحتفل بتاريخ الفتح باعتباره استقلال وعلينا أن نسميه عيد الفتح لا عيد الاستقلال، لأنه التاريخ التأسيسي الحقيقي للاستقلال والسيادة وفق رواية الملك،  وأن 14 أغسطس 1971 ما هو إلا استكمال لهذه السيادة، والأصل (1783)  أولى بالاحتفاء من الفرع (1971). 


هكذا بوقفة ارتجالية عسكرية، يلغي تاريخ الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل استقلال البحرين وسيادتها، هذا التاريخ الوطني المشترك ويحتفي بدله بتاريخه العائلي القبلي المتواطئ مع المستعمر. إنه يمعن في ذلك منذ إعلانه عن تدشين احتفالات كبيرة بمناسبة مرور 200 (*) عام على توقيع معاهدة عام 1820، أولى المعاهدات التي مكّنت بريطانيا من وضع يدها على البلاد. 


هل يمكن أن نقيم تاريخا وطنيا جامعاً، بتمجيد تاريخ الاقتتال القبلي، وسرد تاريخ الزعماء القراصنة الذين أخضعوا باتفاقية 1820 ثم نحتفل بهذا العام كعام مؤسس للصداقة مع القوة التي استعمرت البلاد بالتقاسم معهم.


تاريخياً عاش آل خليفة حروباً داخلية طاحنة بين بعضهم بعضاً، لأنهم لم يفهموا فكرة الدولة طوال تاريخهم، فروع أبناء أحمد (الفاتح)، عبدالله وسلمان وما تناسل منهما خاضوا حربا طويلة كزعماء قبائل، يتنافسون على الغنيمة، من يملك تركة الغزو، ومن هو الأحق بها. وكل طرفٍ كان يستعين مرة بالعمانيين ومرة بالفرس ومرة بالوهابيين، ولم يكن يملي هذه الاستعانة  فكر رجل دولة و لا فكر رجل يطمح لتأسيس دولة. وإنما فكر الغنيمة، هي ما كان يحرك المتنازعين (عبدالله بن أحمد ومحمد بن خليفة أولاً، وعلي بن خليفة ومحمد بن خليفة تالياً).


من أوقف هذا الاقتتال القبلي، هي بريطانيا صاحبة السيادة المطلقة، التي أجبرت قبائل الخليج على التوقيع على اتفاقية 1820 وأجبرت البحرين على أن توقع على بندين خاصين بها وهما يتعلقان بمنع شيوخ (قراصنة) آل خليفة من أن يجعلوا البحرين سوقاً لبيع مسروقات القراصنة التي كانت تنهب من السفن التجارية. وحين نصّب البريطانيون (عيسى بن علي) في 1869 وفرضوا فكرة ولاية العهد لأول مرة لإيقاف الاقتتال القبلي الذي تمليه شهوة الغنيمة، أجبروه على التوقيع على اتفاقية يقر فيها على "إنني على أية حال من الأحوال، لن أؤجر أو أبيع أو أرهن أو أسمح باحتلال أي جزء من أراضي إلا للحكومة البريطانية"


وبعدها بدأ تاريخ الوكالاء السياسيين البريطانيين بالبحرين، وكان أشدهم الوكيل السياسي (ديلي) الذي عزل الشيخ عيسى بن علي بالقوة (1923) ونصّب ابنه (حمد) مكانه.ليبدأ بعدها تاريخ المستشار السياسي (بلجريف1926).


وهاهو الحفيد، يفرط بسيادة الأرض أيضاً، ويمنحها من غير تفويض شعبي لقوة خارجية "أمر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية حفظه الله ورعاه بتخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها (163300 متر مربع) لتوسعة مقر القيادة المتقدمة لقوات درع الجزيرة المشتركة"


 


* انظر:


في سابقة تاريخية: الملك البحريني يدشن احتفالات بذكرى 200 عام على الاستعمار البريطاني


الحكومة البريطانية: ملك البحرين سيحتفل بمرور 200 عام على الاستعمار البريطاني


حنين الملك إلى المستعمر: هل طلب منكم أحد الذهاب؟




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus