صحيفة ماكلاجي الأمريكية: نساء الربيع العربي

2011-06-24 - 7:04 ص





ناتانا ديلونغباس*، صحيفة ماكلاجي الأمريكية
ترجمة: مرآة البحرين.

 
ما هو الشيء المشترك  الذي يجمع كل من أسماء محفوظ ومنيرة فخرو وتوكل كرمان؟ إنهن نساء قويات قادارات، ويتحدين الصورة النمطية التي رسمها الغرب للنساء  المسلمات . تلك الصورة التي تصورهن على أنهن نساء مظلومات مضطهدات مكبوتات يقبعن خلف تشادر أسود أو بركا زرقاء(لباس النساء في أفغانستان) وينتظرن بلا حول ولاقوة تحرير الغرب لهن.

إن أكبر تحدٍ يواجهنه النساء العربيات لا يكمن في نظرة الغرب المتحجرة لهن، ولكن التحدي الجدي هو في حصولهن على مكانتهن المستحقة في الربيع العربي، ليس أثناء الثورة والفترة الانتقالية التي تعقبها فحسب ولكن وبشكل أهم في النظام الجديد الذي ينتج عنها.

ففي مصر، أصبحت أسماء محفوظ، تعرف من قبل الكثيرين بـ"قائدة الثورة" بعد أن وضعت فيديو على الانترنت تدعو فيه الشباب إلى التظاهر الجماهيري الواسع، مما ساعد على إشعال الثورة التي أجبرت مبارك في نهاية المطاف على الاستقالة.

وفي البحرين، لعبت الناشطة السياسية منيرة فخرو دورا قياديا في تنظيم احتجاجات دوار اللؤلؤة وأصبحت متحدثا باسمها، ومطالبة بإصلاح الحكومة ومؤسسة لحركة "لا سني لا شيعي بس بحريني".

وفي اليمن تقوم الصحفية والناشطة الحقوقية توكل كرمان، بالاحتجاج السلمي أمام جامعة صنعاء كل ثلاثاء من مايو 2007 وحتى وقتنا الحالي، وهي تتطالب برحيل الرئيس علي عبدالله صالح من السلطة.

إن هؤلاء النسوة لا ينتظرن من أحد أن يأتي لإنقاذهن ، فهن ناشطات في عملية تحرير أنفسهن. إنهن قياديات يقدمن الرؤية والإستراتيجية ويوفرن الخبرات التكنولوجية والدعم اللوجيستي، بالإضافة إلى التصميم والشجاعة ومد الاحتجاجات بالأعداد الغفيرة.

إنها صورة مغايرة بشكل حاد للمرأة العربية التي تصور على أنها لا تستطيع أن تتحمل شيئا أكثر من  مسؤولية منزلها، فالمرأة العربية ذاتها قامت هي وأبناؤها بتنفيذ الاعتصامات وأنشات شبكات التواصل وأقامت ورش العمل، حول تكتيكات الاحتجاجات السلمية، بالإضافة إلى اجتيازها نقاط التفتيش بغية التواصل مع المحتجين في الضفة الأخرى.

إن نساء الربيع العربي لا ينصبن الخيام ويقدمن الشاي فحسب، بل إنهن يعملن كطبيبات وممرضات أيضا ويقدمن الخدمة الطبية لمن يحتاجها ممن جرحوا أو أصيبوا على أيدي الشرطة أثناء الاحتجاجات. وفي الأشهر القليلة الماضية، تعرضن للضرب والاعتقال والتعذيب وإطلاق النار عليهن والقتل والاغتصاب من قبل القوات الحكومية.
قضياهن ليست "قضايا نسوية" بحتة وإنما هي قضايا وطنية عامة. إنهن يقفن ويعملن إلى جانب الرجال في بحثهن عن هامش أكبر من الحرية وصوت مسموع في الحكومة، ووضع حد للفساد، والحق في العمل والتوظيف، ومستوى لائق من التعليم وعن حياة أفضل، ليس لهن حصرا وإنما لجميع أفراد المجتمع.

ونحن ننظر إلى الربيع العربي اليوم يجب علينا أن لا ننسى الدروس المستقاة من الجزائر والكويت. فعلى الرغم من تعرض سلامة الكثير من النساء الشجاعات للتهديد، بل وفقدت بعضهن  حياتها ثمنا للاستقلال، فما أن انتهى الصراع حتى أرسلوا مجددا إلى بيوتهن، وطلب منهن أن يتركن "العمل الحقيقي" للرجال. فلربما تغيرت الأنظمة الحاكمة، ولكن النظام الذكوري المهيمن، مازال جامدا على حاله لم يتغير.

إن ملامح "التاريخ يعيد نفسه" قد بدأت بالظهور فعلا في مصر، عندما أسس "مجلس الرجال الحكماء" كهيئة استشارية للحكومة ولم يكن للمرأة صوت مباشر فيه. هذا بالإضافة إلى أن التظاهرات المساندة لليوم العالمي للمرأة في القاهرة والدعوات في تونس إلى صيانة حق المرأة المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية، قوبلت بصرخات الرجال: عودوا إلى منازلكن .

فإذا كنا في الغرب جادين فعلا في السعي إلى ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، علينا أن نساعد في التأكد على  ألا تعامل النساء كمطلقات في الشؤون الأكثر أهمية للمجتمع. ويجب علينا أن نعترف بالأدوار الكثيرة التي تقوم بها المرأة العربية بالإضافة إلى دورها المحوري كزوجة وأم. ويجب على السياسيين في الغرب والعالم العربي ضم النساء في الحكومات ومراكز القيادة وفي الحياة العامة، ولكن ليس بصورة رمزية وإنما كأنداد.

وكأخواتهن في الأردن وبنغلادش واندونيسيا اللائي عملن كرؤساء وزارات ورئيسات ووزيرات، فإن نساء الربيع العربي أيضا يجب أن يأخذن مواقعهن كمسئولات في الحياة العامة وكقائدات، وإن يسهمن في بناء الأنظمة الجديدة التي تم إصلاحها حديثا. 

إن ضم أو إقصاء المرأة من أروقة السلطة وصناعة القرار، هي بلا شك الاختبار الحقيقي لمدى أصالة أي ديمقراطية.
وخلاصة القول بان النساء أثبتن تصميمهن على صنع التغيير والعمل للإصلاح عبر التكتيكات السلمية غير العنيفة، وحتى لو كان الثمن هو التضحية بحياتهن.  ويبقى السؤال: هل سنأخذ نساء الربيع العربي على محمل الجد؟

20 يونيو2011

عن الكاتبة:
*رئيسة تحرير موسوعة (أكسفورد): الإسلام والمرأة. ومشاركة في تأليف كتاب" Women in Muslim Family Law ". وتدرس حاليا علم الأديان المقارن بكلية بوسطن.
   
    

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus